شعار قسم مدونات

أنماط الشخصيات (2)

مدونات - الشخصية
رأيت أن من الأنسب بعد أن عرضت عليكم شخصية "المنطقي" أو "العقلاني" (Logistician) (ISTJ) في التدوينة السابقة، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، أن أحدثكم اليوم عن نوع مشابه جدا للعقلاني، ويختلف فقط في كونه انفتاحيا لا انطوائيا. نتحدث اليوم عن شخصية المدير التنفيذي (Executive) (ESTJ).

بما أن أصحاب هذا النمط من الشخصيات يتواجدون بنسبة كبيرة بين الذكور خاصة، فهناك فرصة كبيرة أن تكون قد تعاملت مع أحدهم أو أكثر في إطار العمل أو العائلة، وبالتأكيد سوف ترن أجراس الذكريات في عقلك مرارا خلال قراءة السطور التالية.

أصحاب الشخصية المسماة بـ (المدير التنفيذي) هم أشخاص شديدو الحرص على الالتزام بالأساليب التقليدية في الحياة والعمل. ولن نخطئ كثيرا حين نسميهم بحراس العادات والتقاليد. من وجهة نظر المدير التنفيذي، أفضل طريقة لتنفيذ مهمة ما، سواء كانت على المستوى الشخصي أو العملي، هي الطريقة التي تم تجريبها العديد من المرات قبل ذلك وثبت نجاحها في الوصول إلى النتيجة المطلوبة. ستجدهم دوما يقودون التحركات الإجتماعية في المحيط الأسري وكذلك يقودون العمليات اليومية في نطاق العمل بدقة شديدة وحزم.

على المدير التنفيذي أن يدرك، أن بعض الشخصيات تستجيب للضغط بشكل عكسي، وأن البعض قد ينهار فعلا تحت تأثير النقد السلبي، وهو من الأساليب المحببة للمدير التنفيذي عند محاولة تحفيز أفراد فريقه.

كونهم من الشخصيات الانفتاحية، يعد أصحاب شخصية (المدير التنفيذي) من أقدر الشخصيات على قيادة الجموع مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية، ويكون هذا ممكنا في الحقيقة لأن المدير التنفيذي لا يهتم ولا يعبأ بالآراء المختلفة في محيط العمل والأسرة، بل يسعى دوما بكل همة ونشاط لإتمام المهمة الموكلة إليه أو المهمة التي يفرضها عليه موقعه كمدير لمشروع مثلا أو كرب للأسرة، بدون النظر إلى المعوقات التي قد تعترض طريقه أو طريق الفريق المسؤول عن التنفيذ. ورأيه في هذا أن الأعذار هي فقط للضعفاء الذين لا يريدون إتمام العمل كما يجب.

ويظهر الاختلاف بين شخصيتي "العقلاني أو المنطقي" و"المدير التنفيذي" في كيفية مواجهة كل منهما للمعوقات التي قد تصادف تنفيذ مهمة ما. في الواقع، يتفق الإثنان على أن أفضل طريق للعمل هو الطريق المجرب والناجح، ولكن بينما ينكفئ "العقلاني" على نفسه ويتحمل كل المسؤولية في حالة تراخي أحد أعضاء الفريق عن أداء مهامه، محاولا أن يتمم هو مهام هذا الشخص المتراخي -لأن (العقلاني) انطوائي وبالتالي يتفادى المحفزات الخارجية بقدر المستطاع ومنها التعامل مع الناس-.

يعمد "المدير التنفيذي" إلى مواجهة الشخص المتراخي بالحقائق والوقائع والأرقام التي تؤكد تراخيه في العمل، ويقوم باستخدام كل أساليب الضغط الممكنة لدفع هذا الشخص إلى القيام بعمله كما يجب -من وجهة نظر المدير التنفيذي- ولذلك نجد أن المدير التنفيذي أقدر على قيادة الفرق والمجموعات بسبب كونه انفتاحيا يسعى للتواصل والتفاعل مع الناس ويبحث دوما عن المحفزات الحسية التي تمده بالطاقة والقدرة على مواصلة العمل، حتى وإن كانت هذه المحفزات على صورة خلافات واحتدادات بينه وبين فريق العمل!

وبينما تتمثل القوة الحقيقية لأصحاب شخصية المدير التنفيذي في إتمام المهام بدقة وسرعة، فإن نقطة ضعفهم الأكبر هي في عدم القدرة على البحث عن بدائل، أو تطوير ما هو قائم، أو حتى مجرد التفكير في إمكانية وجود طريقة أفضل من طريقتهم لإتمام مهمة ما. يتشكك المدير التنفيذي كثيرا في الأفكار الجديدة، ويقاومها بشدة، ويعتبر أن الجلوس لبحث أفكار جديدة هو من قبيل تضييع الوقت الثمين الذي يفضل أن يستغله في العمل والانتاج. وهو في ذلك يتعامى تماما عن أي إمكانية للتطور والتقدم. وتكون مقاومة المدير التنفيذي للأفكار الجديدة أشد إن كانت هذه الأفكار نابعة من أحد الشخصيات التي لا يثق بها ولا يعترف بقدراتها العقلية والعملية، ولذل نجد أن التصادم يكون على أشده بين الشخصيات العاطفية بشكل عام، وبين شخصية (المدير التنفيذي)، خاصة في مراحل الشباب وقلة النضج العقلي والعاطفي لدى الطرفين.

كلا من "العقلاني" و"المدير التنفيذي" يمثلان حجري الأساس الذكوريين في المجتمعات بشكل عام. فهما يمثلان حوالي ثمانية وعشرين بالمائة من الذكور في أي مجتمع.

ولكي ينضج ويتطور، يحتاج المدير التنفيذي إلى أن يعي بشكل كامل أن هناك أشخاصا مختلفون عنه بشكل كبير، وأن اختلافهم لا يعني أبدا أنهم مخطئون. ولكي ينجح المدير التنفيذي في إدارة فريق العمل، أو الأسرة بشكل فعال، فعليه أن يدرك مقدار ما تمثله المشاعر في حياة بعض أنماط الشخصيات الأخرى، وأن استجابته لهذه المشاعر وتعامله مع كل شخص على طريقته هو أفضل الطرق للحصول على فريق قوي، متماسك، وفعال.

النقطة الأهم، هي أن على المدير التنفيذي أن يدرك، أن بعض الشخصيات تستجيب للضغط بشكل عكسي، وأن البعض قد ينهار فعلا تحت تأثير النقد السلبي، وهو من الأساليب المحببة للمدير التنفيذي عند محاولة تحفيز أفراد فريقه، فقد يعمد إلى المقارنة بينهم وبين رفاقهم ليظهر لهم مدى سوء أداءهم وبالتالي يحفزهم على المنافسة والدخول في سباق مع هؤلاء الزملاء للتفوق عليهم، أو أن يظهر عدم رضاه عن أداء الشخص بشكل مستمر حتى يدفعه إلى القيام بجهد أكبر في العمل.

هذا الأسلوب يكون هداما بشكل شديد عندما يستخدمه المدير التنفيذي مع زوجته أو أبناءه. فالأبناء بشكل خاص يحتاجون من الأهل التشجيع الإيجابي والشعور بأنهم مقبولون ومحبوبون كما هم. ودوما ما يتسبب أسلوب التحفيز بالنقد مع الأطفال إلى تكون الكثير من مشاكل قلة الثقة بالنفس ويؤدى بشكل عام إلى انخفاض المستوى الدراسي أو الرياضي لدى الأبناء، وهو ما يستدعي من المدير التنفيذي المزيد من الضغط والنقد، والدخول في حلقة مفرغة من متتاليات النقد والفشل وانعدام الثقة بالنفس.

في النهاية، أود أن أسلط الضوء على نقطة إحصائية مهمة، وهي أن كلا من "العقلاني" و"المدير التنفيذي" يمثلان حجري الأساس الذكوريين في المجتمعات بشكل عام. فهما يمثلان حوالي ثمانية وعشرين بالمائة من الذكور في أي مجتمع. ولو أضفنا أيضا النسبة التي تمثلها شخصية (الحِرَفِي) (ISTP) لوجدنا أن ما يقارب ال 36 بالمائة من الذكور هم أشخاص حسيون، عقلانيون بالأساس، عاجزون إلى حد كبير عن التعبير اللفظي عن مشاعرهم الإيجابية أو السلبية، وهو ما يعطي صورة عامة بأن الرجال لا يمتلكون أي مشاعر على الإطلاق، وهو بالطبع أمر غير صحيح.

في المقال القادم بإذن الله سأستطلع معكم الشخصية الأكثر انتشارا بين النساء وهي شخصية (المُدافع) (ISFJ)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.