شعار قسم مدونات

الصراع العراقي المصري على سوريا

مدونات - سوريا
يرى البعض أن المنافسة القديمة ما بين سادة دجلة وسادة النيل هي مثال متكرر، وهذا ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، فكل من طمح لقيادة العرب في تلك الفترة أدرك أن الوصول لهذا الطموح منوط بالسيطرة على سورية، أو كسب صداقتها، وأن من يفوز بهذه الصداقة لن يكون بحاجة إلى الانحناء أمام أي ترابط للدول العربية، وعليه كان لزاما على كل دولة عربية تهدف إلى سياسة عربية في فترة ما بعد الحرب أن تضع خطة خاصة تتعلق بسورية أولا، فلقد تمتعت سورية بموقع هام في خضم الصراع من أجل التفوق في تلك الحقبة، وكانت مسألة السيطرة عليها أو كسبها أهم من القضية الفلسطينية.

من الناحية الاستراتيجية تشرف سورية على الممرات الشمالية الشرقية الموصلة إلى مصر، وعلى الطريق البري ما بين العراق والبحر المتوسط، وعلى شمال الجزيرة العربية والحدود الشمالية للعالم العربي. كما أنها تعد رأس الحركة العربية القومية وذروة الأحلام والتصورات الوطنية التي لا تحصى.

شكلت قضية الوحدة العربية بعد الحرب حصان التنافس ومطيته في هذا الصراع حيث ركبه الطرف العراقي أو الهاشميون ليسيطروا على سورية من خلال مشروعي سورية الكبرى والهلال الخصيب

إضافة لذلك تعد مركز مراقبة ورصد حتى لسياسات الدول الكبرى فكما أنها مركز المنافسة بين الدول العربية، هي أيضا المحور الذي تدور حوله أعظم التحركات الدبلوماسية التي مارسها الغرب والاتحاد السوفيتي في تلك الفترة، ويمكننا أن نفهم ذلك الآن بسهولة بعد مضي ستة أعوام على الثورة السورية.
يحق لسورية أن تفخر بأنها كانت برجا للأحزاب في الفترة التي سبقت الوحدة مع مصر وكانت غنية بالحياة السياسية بصورة لا يمكن لأي دولة عربية أن تجاريها فيها.

كانت سورية في فترات الأزمات والحكومات الضعيفة -لا سيما أن تلك المرحلة كانت مرحلة انقلابات- كرة تتقاذفها جاراتها المتنافسات، ورغم ذلك يمكن القول إنها أيضا لم تكن كالضحية في الوسط أو إنها كانت تقف موقف المتفرج بل إنها كانت في أغلب الأحيان تستغل هذا الصراع والتنافس لصالحها وتميل حسب ما تمليه مصالحها وسياستها الخارجية مستفيدة من الطرف الذي تميل نحوه باعثة بإشارات طمأنة للطرف المقابل، وإن الخلاف والتنافر فيها كانا ينعكسان على جيرانها الأقربين والأبعدين، وحين نبحث عن أسباب الأزمات الدولية الخطيرة نجد أن الطريق يقود إلى دمشق.

شكلت قضية الوحدة العربية بعد الحرب حصان التنافس ومطيته في هذا الصراع حيث ركبه الطرف العراقي أو الهاشميون ليسيطروا على سورية من خلال مشروعي سورية الكبرى والهلال الخصيب.
أما مصر فكانت دائما بالمرصاد لأي تقارب عراقي-سوري، وخير مثال نستشهد به على حدة هذا الصراع بين الطرفين ما أعلنه حسني الزعيم الذي ارتمى في أحضان الهاشميين وكان قد دخل في مفاوضات معهم، ولكنه فجأة عاد معجبا بكل ما هو مصري، وشاكرا لجلالة الملك فاروق حفاوته به بعد دعوة للإفطار في 21 نيسان 1949على مائدته.

فقد أعلن الزعيم في 26 نيسان قائلا " كانت رحلتي مفاجئة غير سارة للأردن، فقد اعتقد سادة بغداد وعمان أني سأقدم لهم تاج سورية على طبق من فضة، ولكن خاب فألهم فنحن لا نريد لا سورية كبرى ولا هلالا خصيبا، وقد قررنا تقديم كل من يتواصل مع الحكومة الأردنية للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، كما قررنا استدعاء عشرين الف مجند جديد، ونحن ننتظر أن تصلنا فورا كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والتجهيزات من جميع الأصناف، إن جيشنا البري سيكون قريبا الثاني في الشرق الأوسط يتقدم عليه الجيش التركي فقط، أما سلاحنا الجوي فسوف يتفوق على مجموع ما عند تركيا وإسرائيل، ولن نصبر على تهديد أو ضغط سواء من العراق أو الأردن أو أي بلد آخر، وأما الأردن فسيعود إلى وطنه الأم، ويصبح المحافظة العاشرة".

كان هم السعوديين ألا يحكم سورية والأردن أعداؤهم القدامى الهاشميون، لدرجة أنهم اعتبروا أي معاهدة عسكرية أو اقتصادية بين العراق وسورية عملا عدوانيا موجها ضده

بالإضافة لذلك واجهت مصر المشروعين المذكورين بالجامعة العربية التي سيطرت على زعامتها، وحالت من خلالها في منع أي تقارب بين العراق وسورية، واستمر الصراع حتى داخل أطر المشاريع الدولية كحلف بغداد ومبدأ أيزنهاور من جهة، والانضمام للمعسكر السوفيتي الذي مثلته مصر على الساحة العربية من جهة أخرى، ودام الصراع إلى أن حُسِمَ لصالح مصر من خلال الوحدة مع سورية في عام 1958 وخسارة الهاشميين تماما.

في حقيقة الأمر كان هناك طرف ثالث بذل جهدا كبيرا في هذا الصراع، وهو المملكة العربية السعودية التي ساندت مصر في هذه الفترة، وواجهت العراق، وكانت دائما كالقاهرة تسعى للحصول على تطمينات من قبل الساسة السوريين إذا ما سيطر على الحكم في سورية رجل موال للعراق فقد كان هم السعوديين وشغلهم الشاغل ألا يحكم سورية والأردن أعداؤهم القدامى الهاشميون، فيسيطرون بذلك على المنطقة التي تصل البحر الأبيض المتوسط بالخليج العربي، لدرجة أنهم اعتبروا أي معاهدة عسكرية أو اقتصادية بين العراق وسورية عملا عدوانيا موجها ضده(1).

لذلك كان موقف المملكة العربية السعودية هو موقف مصر في مسألة صراع السيطرة على قلب العروبة. ومن خلال هذا الموجز المقتضب تظهر لنا أهمية سورية في معادلة الصراعات الدولية والإقليمية والعربية، وإن كان العرب الآن في وضع لا يمكن مقارنته مع الأمس القريب فخمس من عواصمهم محتلة.
____________________________________________________________________________________________
(1) باتريك سيل، الصراع على سورية دراسة للسياسة العربية بعد الحرب 1945-1958.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.