شعار قسم مدونات

التزامنية بين الصدفة والقدر

midan - picc
هل سبق أن تصفحت الأسماء في هاتفك؟ فالتقطت عيناك اسما لشخص عزيز قد غاب أو انقطع الاتصال به من مدة، ثم فوجئت بعد دقائق باتصاله! حينها ستقول بكل استغرب: يا لها من صدفة! في رأيي أنه لا توجد صدفة -وقد يتفق معي كثيرون-، فكل ما نمر به ونواجهه من أحداث نعزوها للصدفة، ما هي إلا مداراة لجهلنا وقصورنا عن إدراك كنه هذه الأمور، فالإنسان منذ القدم اعتاد على عزو الظواهر الغريبة إلى قوى خفية تتحكم بالكون أو أي تفسير آخر يريحه من عناء المجهول، فهو بطبعه يحب إيجاد تفسير لكل شيء، ولا يفضل بقاء الأمور غامضة.
 
إذا بعد أن قلنا أنّ الصدفة لا وجود لها، ندرك أنّ ما يحدث من أحداث حولنا قد تثير استغرابنا لتوقيتها أو لوجود أشخاص أو وقائع ذات مغزى بالنسبة لنا ما هي إلا (تزامنية – synchronicity). وأول من جاء بهذا المسمى هو العالم النفسي الشهير كارل جوستاف يونغ.

نطلق على هذه الظاهرة بوصفنا مسلمين "القدر". حيث نؤمن بأنه لا تسقط ورقة من شجرة ولا قطرة من مطر ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا بتقدير من الله عز وجل

حيث فسّر به كثيرا من الأحداث التي يعزوها الناس إلى الصدفة نظرا لعدم وجود علاقة سببية بينها، ولكنها في الواقع مرتبطة بشكل أو بآخر ضمن ما يسمى باللاوعي الجمعي على مذهب المدرسة التحليلية في علم النفس والتي ميزها يونغ ببعض الأفكار والمصطلحات التي أدت لانشقاقه عن فرويد، حيث يرى أن اللاوعي الجمعي هو ذاكرة جماعية للبشر على مرّ العصور تربط بينهم وبين الكون في تناسق محكم.

وقد ضرب يونغ أمثلة لذلك في كتابه "التزامنية: مبدأ اتصال غير سببي – Synchronicity: An Acausal Connecting Principle" حيث يقول: – كانت هناك فتاة أعالجها في وقت من الأوقات وحدث أن شاهدت في منامها أنها أُعطيت نوعا من الخنافس الكبيرة وبينما كانت تقول لي هذا الحلم جلست لأسند ظهري إلى نافذة مغلقة وفجأة سمعت ضجيجاً خلفي مثل قرقعة خفيفة فاستدرت لأرى حشرة تطير وتطرق إطار النافذة من الخارج.

فتحت النافذة وأمسكت بالحشرة وهي في الهواء ووجدت أنها أقرب قياساً إلى خنفس كبير يمكن أن يجده المرء في خطوط العرض لدينا وهي خنفساء عادية، فكيف لها إذن أن تعارض عاداتها المعهودة وتجد الشجاعة للوصول إلى غرفة مظلمة في هذه اللحظة بالذات؟!

– كنت مع زوجتي في غرفة الانتظار في السفارة البريطانية في طوكيو وحدث أن تكلمت زوجتي إلى سيدة أمريكية مع طفل صغير، وبعد مرور 18 شهراً من انتقالنا إلى انكلترا تلقيت دعوة إلى بلدة صغيرة حيث ذكر لي صاحب العمل مجموعات عائلية قد ترغب زوجتي في الانضمام إليهم. وعند حضور الاجتماع الأول اكتشفت زوجتي أنه كان من بين الموظفين في المجموعة نفس السيدة الأمريكية التي قابلتها في السفارة في طوكيو.

أما في واقعنا وحياتنا فهناك الكثير من الأمثلة المشاهدة التي نمر بها في كل وقت وحين وتدل على وجود التزامنية في حياتنا، كالمثال في بداية المدونة، وكنطقنا بكلمات ونطق آخرين بها في نفس الوقت دون ترتيب مسبق، أو تفكيرنا بأمر معين ثم حدوثه، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي تعج بها حياتنا اليومية والتي تدل على وجود نظام محكم تسير به أمور هذا الكون، أو ما نطلق عليه بوصفنا مسلمين "القدر".

حيث نؤمن بأنه لا تسقط ورقة من شجرة ولا قطرة من مطر ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا بتقدير من الله عز وجل ضمن نظام محكم تُسيّر به أحوال المخلوقات. (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) الأنعام59.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.