ويشهد العالم صعود التيارات الشعبوية في عدد من الدول. فروسيا ترزح تحت وطأة الرئيس فلادمير بوتين الذي يصنف نفسه على أنه من التقليديين وأن الكنيسة فوضته للدفاع عن الديانة المسيحة في مواجهة تنامي التطرف الإسلامي وانتشار الإرهاب. أما في بريطانيا، فقد صوّت الناخبون في استفتاء بريكسيت لصالح مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، وهو ما مثّل صافرة انذار لتفكك الكتلة الأوروبية. وفي الولايات المتحدة، وصل دونالد ترمب لمنصب الرئاسة رغم أنه لم يشغل أي منصبا في الدولة في السابق، رافعا شعار إعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها الحقيقية والمتمثلة في قيادة العالم.
ثم تلقت حكومة رئيس الوزراء الإيطالي، ماثيو رينزي، في ديسمبر العام الماضي، صفعة بعد أن صوّت الناخبون الإيطاليون ضد الإصلاحات الدستورية التي اقترحتها الحكومة، ما دفع رينزي إلى إعلان استقالته. ويعتبر استفتاء إيطاليا الذي جاءت فيه النتائج معاكسة لما راهنت عليه حكومة رينزي، بمثابة "بريكيست ثان"، حيث أنه كان استفتاءً مصيريا لتحديد شكل المؤسسة التشريعية، والتأكيد على مركزية القرار من عدمه في تقرير السياسات العمومية للبلاد.
راهنت روسيا على صعود القوى الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا من خلال التأثير على الانتخابات عبر دعم مرشحين من خلال شن هجمات الكترونية ضد المرشحين الذين لا تفضلهم موسكو، على غرار هيلاري كلينتون في الولايات المتحدة وماكرون في فرنسا |
في خضم كل هذا تمكنت النمسا من البقاء في الحضن الأوروبي بعد أن كانت قاب قوسين من الوقوع في يد اليمينيين المناهضين للاتحاد الأوروبي بقيادة نوربرت هوفر، مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف. وجراء عدد من الأزمات الاقتصادية والأمنية أصبح الاتحاد الأوروبي مهددا بالتفكك خاصة في ظل تدفق أعداد هائلة من اللاجئين السوريين والعراقيين الفارين من جحيم الحرب المستمرة منذ خمس سنوات في البلدين. ويقدم الزعماء اليمينيون الشعبويون أنفسهم على أنهم جدار الصد في وجه تدفق اللاجئين الذين يهددون هوية أوروبا المسيحية. وكانت فرنسا مسرحا للتجاذبات الجانبية من ذلك ما تم التسويق له على أنه صراع على الهوية في فرنسا في أعقاب ما يعرف بأزمة البوركيني، وهو اللباس الذي ترتديه النساء المسلمات أثناء السباحة.
وراهنت روسيا على صعود القوى الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا من خلال محاولة التأثير على الانتخابات عبر دعم مرشحين من خلال شن هجمات الكترونية ضد المرشحين الذين لا تفضلهم موسكو، على غرار هيلاري كلينتون في الولايات المتحدة وماكرون في فرنسا. لكن باريس نجت من قبضة الشعبويين رغم رهان موسكو على مارين لوبان لتكون حصان طروادة الذي يمكّنها من تفكيك الاتحاد الأوروبي عبر نشر أفكار مناهضة للكتلة الأوروبية.
ويبدو أن فوز ماكرون الوسطي زعيم حركة "إلى الأمام"، وهي حركة حديثة العهد تقطع مع أحزاب اليمين واليسار التقليدية في البلاد، ليكون أصغر رئيس لفرنسا، ووصول لوبان زعيمة اليمين المتطرف إلى الدور الثاني من الانتخابات الفرنسية وتحقيقها لنسبة تتجاوز 34 في المئة، يؤكد أن مستقبل اليمين المتطرف سيكون أفضل في انتخابات عام 2022.
فاز ماكرون قبل فترة وجيزة من الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في ألمانيا في سبتمبر القادم، حيث تراهن راوكه بيتري زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حزب معارض للعملة الأوروبية الموحدة اليورو، على تحقيق نتائج يمكنها أن تهز المستشارة أنجيلا ميركل.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.