شعار قسم مدونات

في الجزائر فوق السلطة سلطة خامسة

blogs - facebook
يستخدم أكثر من 12 مليون جزائري الفيسبوك، 70% منهم شباب يافع يعيش جل حياته داخل هذا العالم الافتراضي الذي فرض نفسه على عادات الجزائريين ويومياتهم، مما جعله الراعي الرسمي لآمال الشباب، أحلامه وما يصبوا إليه، كما مكنه من تفريغ آلامه، مشاكله، مآسيه والصدح بآرائه، في ظل واقع يغلب عليه ضبابية المستقبل وعدم وضوح الرؤية لما هو قادم من الأيام… أكثر من 8 مليون شاب وشابة يعيشون هذا الهوس الجماعي، الذي كان في بداياته مجرد فضاء جديد لكسب الصداقات وممارسة نوع من العادات الاجتماعية غير التقليدية افتراضيا، إلا أن دخول الجيل الثالث للجزائر مع نهاية 2013، حوله تدريجيا إلى أداة فعالة في يد الشباب من أجل التأسيس لخلق وعي مجتمعي عميق، وتنمية الحس النقدي البناء لديهم، شباب وجد كل المنابر مسدودة في وجهه، فخلق لنفسه منابر افتراضية عابرة للولايات، وجسورا مع المغتربين عابرة للحدود، لينتج نخبه التي أصبحت تصنع الرأي العام، وتوجه الفهم للقضايا التي تطرح بشكل يومي على الساحة المحلية والدولية، مما سحب البساط من تحت أرجل الصحافة التقليدية المكتوبة، السمعية وبصرية، والتي بدورها أضحت تابعة تعلق على الأحداث التي يصنعها الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن سلمت ولائها حبرها لأموال الإشهار.

التجمع والتكتل والتوافق الكبير بين الشباب، هو السمة الغالبة على الفيسبوكيين الجزائريين، والمتابع لأكبر الصفحات الجزائرية، سيجد نفسه أمام محاكمات مباشرة، المداولات فيها علنية، من خلال النقاشات الحادة في التعليقات، التي يعقبها أحكام نهائية لا مجال فيها للطعن أو النقض، والفيصل فيها الانتشار والمشاركات، لشباب لم يعد رهينة في يد التاريخ، فتجاوز بدهاء من حاولوا حصر تفكيره بين 1962 و الـ 1992 ليعيش واقعه دون عقد وخلفيات تاريخية، لتبقى اللهجة الجزائرية العصية على غير الجزائريين، صمام أمان ما يدور بين الشباب في هذا الفضاء المفتوح، لصعوبة فهمها واستعمالها.

هؤلاء الشباب وبنفس القوة والحماسة، يشنون حملات على مافيا المال والأعمال، التي تستغل كل الفرص من أجل استنزاف خيرات الجزائر، واحتياط الصرف فيها.

شباب في مواقع التواصل الاجتماعي أجبروا وزارة التربية الوطنية على إعادة عدد من امتحانات شهادة البكالوريا في دورة جوان 2016 بعد أن تسربت المواضيع للتلاميذ، فيسبوكيون أقالوا والي ولاية سكيكدة لأنه تفوه بكلام لا يليق بحق الأسرة الثورية، جزائريون أقاموا الدنيا ولم يقعدوها افتراضيا، بعد مرور حفيدة أحد عملاء فرنسا إبان احتلال الجزائر في حصة بالتلفزيون الرسمي لترويج كتاب يمجد جدها المدعو – بن قانة الحركي – والذي اشتهر بقاطع آذان المقاومين الذين ثاروا ضد دخول فرنسا إلى الجزائر في 1830، فتم توقيف الكتاب وفتح تحقيق مع كل الأطراف التي أدخلته وكاتبته إلى الجزائر وساهمت في الترويج لهما، تمام كما حدث مع تصريحات حاكم الشارقة في حق الثورة التحريرية المجيدة، وجعلته حملة الشباب الجزائري على مواقع التواصل الاجتماعي يتراجع عنها في ظرف يومين مبررا أن كلامه لم يفهم وتصريحاته اختصرت.

صفحات فايسبوك أجبرت وزارة الداخلية على فتح تحقيق بعد أن كشفت أن الحملة الترويجية التي أطلقتها من أجل الانتخابات التشريعية في 04 ماي المقبل تحت شعار – سمع صوتك – أبطال الملصقات الدعائية فيها ليسوا جزائريين، وصورهم مأخوذة من مواقع عالمية، الوزارة نفسها أوقفت شرطيا على ذمة التحقيق، لأنه صفع طالب صيدلة خرج يطالب بحقه، وفتحت تحقيقا في الفيديو المنشور بعد استنكار ومطالب شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي، نفس الشباب الذي يشجب وينتقد، مَجَدَ أبطال الجيش الوطني الشعبي ومختلف المصالح الأمنية الساهرين على أمن الجزائر، بعد العمليات الأمنية الكبيرة التي يشنونها لتطهير الجزائر من بقايا المجرمين الذين زرعوا الموت على أرض الشهداء لعشرية كاملة.

من رأى منكرا فليفضحه بالفايسبوك، ومن لم يستطع فليساهم بإعجاب أو تعليق أو مشاركة، وذلك أضعف واجبات المواطنة، ما دام في الجزائر هامش من الحرية يكفله القانون وتحترمه الحكومة.

هؤلاء الشباب وبنفس القوة والحماسة، يشنون حملات على مافيا المال والأعمال، التي تستغل كل الفرص من أجل استنزاف خيرات الجزائر، واحتياط الصرف فيها، مما أجبر الحكومة على إيفاد لجنة تحقيق لمصانع يفترض بها تركيب السيارات محليا، إلا أنها تستوردها جاهزة، رغم الامتيازات المهولة التي استفادت منها، بل أن الضغوط الشعبية في مواقع التواصل الاجتماعي جعل الحكومة تفكر في طرح سندات مالية دون فائدة في سابقة هي الأولى من نوعها، وفق ما صرح به وزير المالية مؤخرا.

مواقع التواصل الاجتماعي كسرت العديد من الطابوهات، وغيرت العديد من المعادلات، ففتحت المجال أمام الشباب ليسرق المشعل من يد جيل أبوي لا يزال يرفض منحه الفرصة، ولا إفساح المجال، فوجد الشباب نفسه في موقع النقد والتعليق على كل ما يحدث حوله، إلا أن المميز هو طرق النقد والمساءلة التي تطورت وأصبحت أعمق وأجرأ من التحليلات الموجودة على صفحات الجرائد والبلاطوهات التلفزيونية، التي احتكرت من قبل فئة غريبة عن عالم الصحافة والمعرفة، دخيلة على عالم المال والأعمال.

إن التحدي الذي يواجه الحكومات المتعاقبة على الجزائر هو إمكانية استمالة الجزائريين للخطط والمشاريع والبرامج التي تطرحها، فالشباب اليوم مختطف من قبل مواقع التواصل الاجتماعي، مفتون بالفهم والتمحيص بعد أن تجاوز القبول والرضا بأي شيء، وتوجهاته وأحلامه وأهدافه أصبحت أكبر من أن تسير بالوعود والوعيد، كما أن الوعي الذي بدأ في التكون، خلق نوعا من المناعة الذاتية ضد التوجه نحو العنف، وهو ما أنتج حالة جديدة داخل المجتمع الجزائري قوامها، من رأى منكرا فليفضحه بلفايسبوك، ومن لم يستطع فليساهم بإعجاب أو تعليق أو مشاركة، وذلك أضعف واجبات المواطنة، ما دام في الجزائر هامش من الحرية يكفله القانون وتحترمه الحكومة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.