شعار قسم مدونات

بدايتها نزاهة ونهايتها تزوير

blogs - algeria

يمنعنا الصمت الانتخابي في الجزائر من التحدث عمّا سيجري بعد ثلاثة أيام من الأن، لكنه لن يحول دون أن نتحدث -مرتاحي البال- عما سيجري في هذه الانتخابات، ولن نقع في المحظور إذا ما قلنا أن باب المفاجآت قد فتح على مصراعيه في هذه التشريعيات لأكثر من سبب، فقلة خبرة الجزائر بالانتخابات الديمقراطية التي قاربت أخر تجاربها عن ستة وعشرين عاماً، تجعلنا لا نستطيع أن ندّعي أن نملك إحاطة كافية بخرائط المجتمع الجزائري بتوجهاته السياسية وتركيبته الاجتماعية والثقافية، لذلك لا مفر من الاعتراف بأن اهتمامات المثقفين والنخب وتأثيرات وسائل الإعلام أصبحت هي التي تفرض نفسها على الجميع، وباتت تشكل مرجعنا الحقيقي في التعرف على ملامح تلك الخريطة.

وإذا كان الحضور المعتبر واللافت للإسلاميين يعد إحدى مفاجآت الانتخابات التشريعية، فإن استمرار ظهور العاهات الحزبية يشكل إحدى الملاحظات الهامة على هذه الانتخابات، إذ من الواضح أن أصحاب الشكارة والحلاقات والأميّين الذين اكتسحوا البرلمان السابق يحاولون استعادة دورهم واعتبارهم في تشريعيات مايو 2017، وربما اعتبروا هذه الانتخابات فرصتهم الأخيرة قبل نفاذ المخزون واستفاقة الشعب، وثمة قرائن عديدة تدل على أنهم يعتبرونها مسألة حياة أو موت، إذا فشلوا في استثمارها .
 

رفعت الحملات الانتخابية من مؤشرات انغماس بعض الجزائريين في السياسة، بسبب كثافة الحملات الدعائية التي ظلت مادة يومية لوسائل الإعلام منذ عشرين يوما، وبسبب احتدام المواجهة خصوصا بين المرشحين الإسلاميين ومرشحي أحزاب السلطة

لعلنا لا نبالغ أيضا إذا قلنا إنه باستثناء الأحزاب الإسلامية، فإن الأحزاب الأخرى العلمانية والليبرالية لم يعد لها تأثير إيجابي يذكر في الساحة السياسية، ينطبق ذلك على الحزب الحاكم الذي صار يذكر اسمه فقط كلما ذكرت العهدة البرلمانية السابقة والتي شكلت أسوء عهدة أو حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي صار عند الشعب جزءا من التاريخ وليس جزءا من السياسة، أو حزب أمل الجزائر الذي لم يعد يذكر إلا من خلال استدعاء بعض قادته في برامج التلفزيون أو ظهورهم على صفحات الصحف، أو الحركة الشعبية الوطنية الذي يعتمد على الحنين إلى الماضي وعلى التوجس من الإسلاميين أكثر مما يعتمد على الكوادر الفاعلة على الأرض. وإذا كان ذلك شأن الأحزاب التي كانت موجودة قبل تعديل الدستور، وعاشت تجربة موت الديمقراطية، فإن حداثة ميلاد الأحزاب التي تشكلت بعده لا يكاد يذكر لها أثر نظر لحداثة نشأتها.

عودة الجزائريين إلى السياسة والانتخاب ظاهرة لطالما ارتبطت بما يعده المترشّحون، وقد رفعت الحملات الانتخابية من مؤشرات انغماس بعض الجزائريين في السياسة، ليس فقط بسبب كثافة الحملات الدعائية التي ظلت مادة يومية لوسائل الإعلام المختلفة منذ عشرين يوما، ولكن أيضا بسبب احتدام المواجهة خصوصا بين المرشحين الإسلاميين ومرشحي أحزاب السلطة، ومحاولة مرشحي البين بين أن يلفتوا الأنظار إليهم في ذلك السباق.

ومن العلامات الفارقة في هذا التنافس، تلك الصدمة التي أصابت المجتمع جراء إقدام من أفقروا الشعب بقوانينهم على الترشح للعهدة الثانية والثالثة، الأمر الذي وسع كثيرا من دائرة الخوف وأعاد إلى الأذهان كابوس البرلمان الماضي الذي رأى فيه الجميع صفة أسوء برلمان في تاريخ الجزائر.

رغم التأكيد على ضرورة احترام نتائج الصندوق فإنني لا أستطيع أن أتجاهل أن ذلك التأكيد يختلط بدرجات متفاوتة من الخوف، فطالما كانت الانتخابات في بلدي بدايتها نزاهة ونهايتها تزوير!

ولم يعد خافيا على أحد أن أحداث العنف التي شهدتها الجزائر وكان الشعب ضحية لها، كانت من العوامل التي دفعت كثيرين إلى التطلع إلى الاستقرار حيث جعلت معظم الأحزاب شعارها في هذه الانتخابات هو الاستقرار والهناء، ولست واثقا مما أشيع عن أنّ ذلك كله مدبّر لإيصال الناس إلى تلك النتيجة التي يتمناها حتى الحاقدون على الجزائر من عودة للعشرية السوداء، لكن الذي لا شك فيه أن شعور الجزائريين خلال الفترة السابقة بالقلق كان حقيقة وليس وهما، وأن أحزاب السلطة اعتمدوا عليه في دعايتهم وحاولوا إقناع الناس بأن مفاتيح الأمن والاستقرار بأيديهم، وليست في ما تنشده من ديمقراطية.

لا أستبعد أن ترتفع نسبة المشاركين في عملية التصويت في الانتخابات، وإن كنت أستبعد أن تصل النسبة إلى 50 بالمئة كما كانت السلطة تدّعي دوما، ورغم التأكيد على ضرورة احترام نتائج الصندوق فإنني لا أستطيع أن أتجاهل أن ذلك التأكيد يختلط بدرجات متفاوتة من الخوف، فطالما كانت الانتخابات في بلدي بدايتها نزاهة ونهايتها تزوير!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.