شعار قسم مدونات

المهدي المنجرة: أيقونة الفكر والنضال

blogs - المهدي منجزة
"إلى أين الوجهة والمسير"، كلمة تحمل في ثناياها حنق الألم ومرارة الوجع، كلمة لطالما رددها علم سما في سماء الفكر والمعرفة والنضال، إنه المهدي المنجرة أحد رجال الوطن الأوفياء، رجل رفض الذل والخنوع في زمن الذلقراطية، زمن المسكنة والاسترزاق، علم رفض الذل والانصياع للطاغوت.

فلعل كلمات المنجرة ووجع السؤال والحسرة تقض مضجعه وهو يتساءل "إلى أين نسير"، وهي تتقاطع مع كلمات أخرى صيغت على لحن الكفاح صدحت بها حناجر أبناء الحي المحمدي: "فين غادي بيا خويا"، لكن ما يميز المهدي المنجرة هو طموحه الذي قاده للتميز، طموح متقد بالرغبة في دحض العنصرية والاستبداد، ذلكم الطموح الذي استطاع به الفكر المغربي أن يبصم في وجه التاريخ بصمة ستبقى خالدة خلود الحق في هاتيكم الثرى.

لعل السبب في كتابة هاته الأسطر كان من ورائها حديث مع صديق ونحن نرتشف فنجان قهوة، وطال بنا الحديث إلى أوصلنا إلى العلم الشاهق المهدي المنجرة ورست سفينتنا في شطآنه، مما لم أستطع معه حبس دموعي وهي تتهاوى، محاولا إخفاءها عن صديقي، ألم لطالما قض مضجعي وأنا أتأمل وطنا تنكر للرجال، وحل محلهم الأشباه، زمن إذا حورب المفكرون ملأ الطاغوت مكانهم ببالونات من أجل ملء الفراغ، لكن هيهات، وما هكذا تورد الإبل يا سعد، نقولها لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد.

هل لرسالتي من مجيب، هل لنداء من سامع واع، لربما كتب من قبلي أباة لكن بقوا صرخة في واد، فأرد أن أكثر العويل والنحيب من أجل وطن تنكر ولا يزال، لعل صوتنا مجتمعا يفيق من كان سببا في كل المآسي.

أكتب هاته الأسطر وأنا متيقن أنني لا أوفيه حقه، أكتب وأنا أتحسر على زمن مضى دون أن ترتوي المغرب والمغاربة من معين صاف معين من النقاء والطهارة والوطنية الصادقة بمكان، زمن ولى ولا محالة لن يعود، زمن كان بالإمكان أن يرتفع المغرب ويسمو بعلم هاتيكم الهمم والقامات، كان بالإمكان أن نضمن لأنفسنا ولأمتنا مكانا تحت ضوء الشمس في زمن صدق أبو زيد المقرئ حينما جاد في وصفه قائلا: "لا مكان تحت الشمس لمن لم يصاحب العلم والمعرفة"، زمن صدق علم الجزائر حينما قال: "الأمة التي لا تقرأ أمة تموت قبل أوانها".

لا أخفيك حينما أقول إنني أكتب هذه الكلمات ولو أمكنني لكتبتها بدمي، لأن من كُتبت من أجله غال نفيس غلاء ونفاسة دمي الذي لولاه لما جرى نفَس في نفسي، أكتب لعلي أوفيه بعضا من حقه، في زمن تنكر في الناس للعلماء والمفكرين وملأ الرعاع السماء صخبا وضجيجا. أكتب لعلي يوم ألقى العادل أن أتقرب بهاتيكم الكلمات إليه، كلمات أقولها من أجل نصرة رجل من أجل ما قاله الصادق الأمين: "انصر أخاك ظالما ومظلوما"، أخط لعلي أبرئ ذمتي من ظلم لحق المصابيح، وأريد لنا أن نعيش وإياهن في الظلمات، ظلمات الاستبداد، ظلمات الطاغوت ونزع الكرامة عن بني الإنسان.

لعل سائلا وهو محق حينما يسأل لم كل هذا؟ أللبكاء على الأطلال؟ ألدغدغة العواطف؟ أم أم… فيأتيه جوابي سهلا سائغا، وهو بلا تعقيد يذكر، أكتب فأجيب لأنني أكتب لأوصل هم من لم يسعفه المقال والمقام للصدح بما يختلجه من مرارة وهو يرى الرجال تموت في صمت ولا التفاتة إليهم تذكر.

أكتب لأجيب وأقول إن هذا منكر، أقول هل لرسالتي من مجيب، هل لنداء من سامع واع، لربما كتب من قبلي أباة لكن بقوا صرخة في واد، فأرد أن أكثر العويل والنحيب من أجل وطن تنكر ولا يزال، لعل صوتنا مجتمعا يفيق من كان سببا في كل المآسي، أكتب لعلنا نبلغ ما قاله القائل صادقا: "تأبى الرماح إذا اجتمعت تكسرا، وإذا تفرقت تكسرت آحادا". أكتب لإكثار صوت الحق، لعله وذاك لا محال حاصل، يدمغ الباطل ويزهقه.

لا تأسفن على غدر الزمان لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب لاتحسبن برقصها تعلو على أسيادها تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلاب.

أكتب هذا النزر القليل من الكلمات في حق شهم كبير كثير، أكتب من أجل استعادة المبادرة قبل فوات الأوان لعلنا نرد الاعتبار لمن كان لهم الاعتبار لزاما. إنني أكتب لعلنا نتحلى بخلق الصمود ضد الطغيان، خلق كان لنا المهدي به سبقا وقدوة، أكتب لعلنا نتسلح بسلاح المعرفة والفكر من أجل مجابهة الرداءة والانحطاط، لعلنا نعيد ولو اليسير من كرامتنا، القليل من نخوتنا، القليل من أخلاقنا وخلقتنا.

فالواجب اليوم ليس الوقوف على الطلل، وإن كان ذلكم واجب لكن الأوجب منه هو استكمال المسير والمسار، من أجل الإجابة عن السؤال ومن ثم تصحيح المسار: "إلى أين المسير". لعلنا نسير في الاتجاه الصحيح.

لعلي في آخر المقال أقول، ولسان الحال يغني عن المقال، أن أحسن مشروع يمكن للمجتمع أن يشتغل عليه هو إعادة الاعتبار لذاكرة المغرب الفكرية، ذاكرة أريد لها كما لغيرها أن تطمس معالمها وتشوه رسومها، وتزيف مقاصدها ومراميها، لكن لله في الأكوان سنن لا تبيد ولا تحيد، سنن تأبى للحق إلا انتصارا وتبتغي للذل والهوان تقهقرا وانحدار. فلا أجد لمقالي خيرا مما قاله الشافعي رحمه الله صادقا ومخلصا:
لا تأسفن على غدر الزمان
لطالما رقصت على جثث الأسود كلاب
لاتحسبن برقصها تعلو على أسيادها
تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلاب
تبقى الأسود مخيفة في أسرها
حتى وإن نبحت عليها كلاب
تموت الأسود في الغابات جوعاً
ولحم الضأن تأكله الكلاب
وذو جهل قد ينام على حرير
وذو علم مفارشه التراب

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.