شعار قسم مدونات

الخبر مقدّس والتعليق حرّ

blogs - جريدة
الخبر مقدّس والتعليق حر، مقولة أو بالأحرى قاعدة يسمعها كل طالب صحافة على الأقل مرّة في حياته الجامعية، ثم يكمل بها مسيرته المهنية، ومضمون هذه القاعدة بسيط، فيقصد بها أن الخبر يجب أن ينقل من منابر الإعلام إلى المتلقي كاملا وصحيحا كما هو في الواقع، لا يعتريه أي تحريف مهما كان نوعه، أما بالنسبة للتعليق على هذا الخبر، فهو حر ولا يلزم إلاّ المعلق، فهو يدخل في باب صحافة الرأي، واتباع هذه القاعدة من قبل العاملين في مجال الإعلام سيعكس حتما مهنيتهم وحرفيتهم وحسن أداء مهنة الصحافة، لكن بغض النظر عن القيمة التي تكتسيها هذه القاعدة عند الصحفيين، هل استوعبها المتلقون، أي هل أن مشاهد التلفاز أو قارئ الصحف يميز بين الصحافة الخبرية وصحافة الرأي؟

ربّما يبدو السؤال في حد ذاته غير قابل للطرح، فما شأن الجمهور بتقنيات وقواعد العمل الصحفي؟ في الحقيقة يجب على الجمهور أن يعرف هذه القاعدة، وأن يفهمها، فحتى إن كنا لم نصل بعد إلى مرحلة يصبح فيها المواطن هو الميديا، يجب أن يتعلم هذا الأخير كيف يتعامل مع المعلومة التي أصبحت حاضرة بقوة منذ اندلاع الثورات العربية.

في أول انطلاق للربيع العربي، رحب المواطنون تقريبا في كل المجتمعات الثائرة بالتعددية الإعلامية التي ظهرت عندها، فمن قناة أو صحيفة حكومية واحدة؛ تنقل أخبار السلطة والحزب الحاكم، تحول الأمر بمجرد قلب النظام إلى مشهد إعلامي متنوع سواء على مستوى الكم أو الجودة.

الآراء السياسية أو الاقتصادية والحوارات التحليلة؛ لم توجد لترضي أحدا، فهي تبقى كما هي، آراء لا تلزم أحدا من المتقبلين ولا تعبر عن شيء عدا أفكار أصحابها فقط، هي رأي قابل للنقاش لا يلزم أحدا.

أصبحنا نتلقى معلومات عن مواضيع لم نتخيل أبدا أنها قد تطرح في الإعلام، لكن هذا الأمر لم يدم طويلا، فالتعطش للإعلام زمن القمع تحول إلى حساسية مفرطة منه بعد الثورات، ففجأة أصبح الجميع يعاني من قلق تجاه القنوات والمواضيع التي تبث.

تحول الإعلام من إعلام الثورة إلى إعلام العار؛ لسبب واحد هو أن بعض المؤسسات الإعلامية لم ترض برامجها أو الحوارات والمواضيع التي تصدر عنها مسامع البعض. وهنا يقع الخطأ، وهنا نرجع إلى القاعدة التي ذكرناها أول المقال، والتي عدم الاعتقاد فيها هو منبع هذا الخطأ، فما نعتقده هو أن المؤسسات الإعلامية مسؤولة فقط عن الأخبار التي تنقلها، أي الاجابة عن الأسئلة الصحفية الخمس في إطار نشرة أخبار أو في إطار خبر عاجل يمكن أن يقاطع برنامجا ما.

لكن بالنسبة للآراء السياسية أو الاقتصادية والحوارات التحليلة؛ فهي لم توجد لأن ترضي أحدا، فهي تبقى كما هي، آراء لا تلزم أحدا من المتقبلين ولا تعبر عن شيء عدا أفكار أصحابها فقط، هي رأي قابل للنقاش لا يلزم أحدا، وقابل للتغيير، ولا أحد مجبور على تصديقه أو الإعجاب به.

فما معنى بعد هذا أن يحاسب شخص من أجل رأيه، وما معنى أن تشن حملة على مؤسسة إعلامية بسبب آراء قذفت من منابرها، نظن أنه من الأجدر أن يتم التعامل مع هذه الآراء غير الخبرية بموضوعية وإخراج شخص قائل الرأي من الطرح، فيكفي ما خسرناه من وقت وجهد ومال من أجل معركة غير مطروحة، فلو خصّص كل هذا من أجل المشاركة في تحسين وضعية الإعلام لكان أفضل. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.