شعار قسم مدونات

تشكلت الحكومة فهل انتهى البلوكاج لحزب العدالة والتنمية؟

blogs - المغرب والجزائر

انتهت حالة الانسداد السياسي بالمغرب بتشكيل حكومة يقودها الدكتور سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بعدما تعذر ذلك على الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة السابقة الأستاذ عبد الإله بنكيران على مدار خمسة أشهر ونصف، فأعفي ببلاغ من الديوان الملكي في 15 مارس الماضي. العثماني شكل الحكومة خلال أسبوعين وتم تعيينها رسميا بالقصر الملكي بالرباط في الخامس من شهر أبريل الجاري، الأمر الذي طرح سؤالا هل كانت المشكلة في بنكيران؟ أم في شروط بعض الأحزاب السياسية.

 

الواضح أن بنكيران لم يكن يتصرف كشخص بل كان يعبر عن موقف حزب سياسي حصل على الرتبة الأولى في انتخابات السابع من أكتوبر 2016 بـ 125 مقعدا، يرفض شروط أمين عام حزب التجمع الوطني والأحرار حصل على المرتبة الرابعة بـ 37 مقعدا، شكل تحالفا مع ثلاثة أحزاب أخرى يريد أن يفرض به تصوره في تشكيل الحكومة. وما يؤكد ذلك أن بلاغ حزب العدالة والتنمية في 16 مارس الماضي برأ أمينه العام من أي مسؤولية في حالة البلوكاج، وتفاعل إيجابيا مع بلاغ الديوان الملكي وتمسك بالاختيار الديمقراطي واحترام الإرادة الشعبية. كما تفاعل إيجابيا مع تعيين الملك محمد السادس للعثماني خلفا لبنكيران لتشكيل الحكومة.

 

حكومة العثماني قوبلت باستياء ترجمته وسائل التواصل الاجتماعي، و بغضب وعدم ارتياح داخل حزب العدالة والتنمية وخاصة الشباب، واعتبرتها عدد من القيادات بانها هزيمة وخيبة ونكوص و… لأنها حكومة لا تعبر عن الإرادة الشعبية بل تعاكسها

إذا ما الذي تغير حتى نجح سعد الدين العثماني في تشكيل الحكومة؟ ذهبت بعض القراءات إلى أن الأحزاب التي توصف بالإدارية (لا تملك قرارها) بإيحاء من جهات داخل الدولة، قامت بتعقيد مهمة بنكيران حتى يعلن استسلامه ويسلم المفاتيح، لكنه لم يسلمها وطال الأمد أكثر من اللازم، فجاء القرار الملكي بإعفائه. وحسب ذات القراءات فإن الجهات نفسها التي كانت سببا في التعقيد كانت سببا في تسهيل مهمة العثماني لكن بشروطها لا بشروطه، وقد ترجم ذلك بوضوح في طبيعة التشكيلة الحكومية وموقع حزب العدالة والتنمية داخلها، إذ حصل حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة الملياردير عزيز اخنوش على وزارات مهمة (المالية، الفلاحة والصيد البحري، الصناعة والاستثمار والتجارة، السياحة، العدل) وكذلك الأمر بالنسبة للتقنوقراط – أو ما يعرف إعلاميا برجال القصر- كلفوا أيضا بوزارات مهمة (الخارجية، الداخلية، الأوقاف والشؤون الإسلامية، التعليم…) بينما حزب رئيس الحكومة حصل على وزارات أقل وزنا، أغلبها خدمي كوزارة التشغيل والأسرة والتضامن، ووزارة التجهيز والنقل..

 

هذه الحكومة قوبلت باستياء ترجمته وسائل التواصل الاجتماعي، و بغضب وعدم ارتياح داخل حزب العدالة والتنمية وخاصة الشباب، واعتبرتها عدد من القيادات بانها هزيمة وخيبة ونكوص و… لأنها حكومة لا تعبر عن الإرادة الشعبية بل تعاكسها. قيادات أخرى في الحزب تعتبر أن هناك إكراهات وضغوط – لم تكشف عنها- وأن هناك سياقا محليا وإقليميا ودوليا جعل العدالة والتنمية يقبل بهذه الحكومة لصيانة المكتسبات ومراعاة المصالح العليا للوطن.

 

والمقصود بالسياق الدولي هيمنة مناخ سياسي دولي رافض لحكم الإسلاميين ومشاركتهم في السلطة صنعه الإعلام الغربي المتحامل والموجه، وتصاعد أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا ووصولها للحكم في بعض الدول وقدرتها على التأثير في القرار في دول أخرى، وزاد الأمر سوءا بعد وصول اليميني الشعبوي دونالد ترمب للحكم بالولايات المتحدة الأميركية، الذي وصف بطريقة غير مباشرة ما فعله الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي بانقلابه الدموي على محمد مرسي الرئيس المدني المنتخب وعزله، والتنكيل بجماعة الاخوان وكل من تعاطف معها بـ"العمل الرائع" .

 

 ويقصد بالسياق الإقليمي الانقلاب على الإسلاميين الذين وصلوا للحكم أو السلطة أو المشاركة فيها عبر صناديق الاقتراع فيما عرف بدول الربيع العربي، إما انقلاب دموي كما حصل في مصر-كما سلفت الإشارة- أو بانقلاب ناعم كما حصل في تونس، وعودة رموز نظام حسني مبارك وبن علي لدائرة السلطة. 

 

وعلى المستوى المحلي، فإنه في الوقت الذي كان بعض قياديي العدالة والتنمية ينتظرون أن يقابَل تنازل الحزب بتفاعله الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي بإعفاء أمينه العام من مهمة تشكيل الحكومة، بتقديم الأطراف الأخرى تنازلات في مفاوضات تشكيل الحكومة، صدموا بعد الإعلان الرسمي عن التشكيلة الحكومية، فقد قدم الحزب تنازلات أخرى بينما احتفظت الأطراف الأخرى بمواقفها وحققت ما أرادت وزيادة.

 

لا يمكن لأحد أن يتهم الدكتور سعد الدين العثماني الشخصية الثانية في حزب العدالة والتنمية ورئيس برلمانه (المجلس الوطني) ومحط تقدير واحترام داخله بأنه خذل الحزب، وخيب أمل مليوني ناخب صوت عليه في الانتخابات التشريعية، لأنه كان مرفوقا في جولات المفاوضات بثلاثة من قيادي الحزب بتفويض من أمانته العامة.  ولكن السياق المحلي صعب وأكبر من الحزب كما قال بذلك أكثر من قيادي في العدالة والتنمية جعلته بترأس حكومة من موقع "ضعيف" ولا يتجه نحو المعارضة احترام للإرادة الشعبية كما يقول بعض أعضائه، ويطالبه به بعض المثقفين المتعاطفين معه.

 

فمعظم الأحزاب السياسية لا تملك قرارها، الأحزاب الإدارية منها لا شعبية لها، والأحزاب الوطنية التاريخية تعرف حالة من الضعف والتراجع والانقسام وأزمات داخلية، أثرت على أدائها الانتخابي ورصيدها الشعبي الذي تآكل من قبيل حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد حكومة التناوب عام 1998، لكنه لم يحصل في انتخابات السابع من أكتوبر الماضي إلا على 14 مقعدا و6مقاعد في اللائحة الوطنية النسائية واحتل المرتبة السادسة.

 

بمعنى آخر أن حزب العدالة والتنمية يؤدي ضريبة ضعف منافسيه الحزبيين، وعوض العمل على تقوية الأحزاب الحقيقة لخلق توازن في المشهد الحزبي بشكل طبيعي من خلال عدم التدخل في قرارها الداخلي وبالتالي المساهمة بشكل من الأشكال في إضعافها وتقسيمها، هناك سعي لفرملة تقدم حزب المصباح ومحاولة إضعافه وربما تصدعه. 

 

إن البرغماتية فعالة لبلوغ السلطة، ولكنها ليست وصفة للحفاظ على المصداقية، التي تتعرض عاجلا أم آجلا إلى التآكل، وتهدد مرجعية أية حركة. لقد أدى حزب الاتحاد الاشتراكي ثمنا غاليا بسبب ذلك

كما يواجه الحزب حربا إعلامية من عدد من المنابر منها ما هو تابع للدولة كالقناة الثانية، ومنها ما هو تابع للوبيات ولجهات تعارض الحزب بل تعاديه، وتروج لأمور لا توجد إلا في مخيلتها من قبيل أن العدالة والتنمية يريد أن ينافس المؤسسة الملكية في شرعيتها الدينية وغيرها من الأوهام والتخيلات تسعى تلك المنابر من ورائها لتعكير العلاقة بين الحزب والملكية والتشويش عليها.  هناك جهات أزعجتها الإصلاحات التي قام بها الحزب في الولاية الأولى من قبيل إصلاح صندوق المقاصة الذي كان يستفيد منه الأغنياء والحال أنه كان موجها لدعم الفقراء، ولا ترغب تلك الجهات في الاستمرار في الإصلاحات التي من شأنها رفع شعبيته أكثر في المجتمع المغربي.

 

باختصار هناك تحالف موضوعي بين أحزاب ضعيفة وإدارية، وجهات داخل الدولة، ولوبيات مصالح، وإعلام تابع، يسعى لإيقاف تقدم شعبية الحزب العدالة والتنمية. واختيار الأخير المعارضة سيقدم للتحالف المذكور هدية كبرى، وسيظهر كمن يرفض العمل مع المؤسسة الملكية ويتراجع عن منطق التعاون والتوافق معها الذي يؤكد عليه ذ بنكيران باستمرار. ومفاسد خيار الخروج للمعارضة على الوطن وعلى الحزب أكبر وأكثر من "مصالحه".

 

ويصف عدد من المحللين والباحثين سلوك الحزب (ذي المرجعية الإسلامية) بأنه برغماتي، وبينما يعتبرون ذلك ميزة من الناحية السياسية لكن لها أثر على مصداقيته، وفي هذا يقول الدكتور حسن أوريد – الذي شغل سابقا منصب الناطق باسم القصر الملكي ووالي مدينة مكناس- إن " البرغماتية فعالة لبلوغ السلطة، ولكنها ليست وصفة للحفاظ على المصداقية، التي تتعرض عاجلا أم آجلا إلى التآكل، وتهدد مرجعية أية حركة. لقد أدى حزب الاتحاد الاشتراكي ثمنا غاليا بسبب ذلك" (كتاب "الإسلام السياسي في الميزان – حالة المغرب" ص103)

 

أخيرا هناك سؤال يطرح نفسه بقوة؛ انتهى البلوكاج (العرقلة) للحكومة وتم تشكيلها وتعيينها رسميا، لكن هل انتهى البلوكاج لحزب العدالة والتنمية؟ التشكيلة الحكومية تحمل مؤشرات استمراره حسب تصريحات محللين وباحثين وقيادات من الحزب، وتحدثوا على سبيل المثال عن تعيين والي مدينة الرباط سابقا وزيرا للداخلية وقد عرف بعلاقة متشنجة بل و"صِدامية" مع الحزب في شخص عمدة المدينة ومجلسها المسير. ومعروف أن وزارة الداخلية لها علاقة بعمل الجماعات المحلية والمجالس المسيرة للمدن والقرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.