شعار قسم مدونات

لمَ تقرأون هذه المدونة؟

blogs - curious

لديكم الآن نصٌ من كلمات.. وأنتم كقراء وعند هذا السطر لا تدركون ما ستقرأون.. إذن لماذا تستمرون بالقراءة؟! هل لسد فراغات الوقت أم للتسلية أم هو الفضول؟! إن كان هدفكم سدّ فراغ أو تسلية، فلربما هناك ألفُ شيء تقومون به أو تقرأون عنه، لربما عليكم بقراءة تغريدات الرئيس الأميركي ترمب فهي مدعاةٌ للضحك تبعث على التسلية، أما إذا كان الأمر فضولاً، فما الذي تتوقعونه من هذا النص ليشبع فضولكم ويجعلكم تستمرون بقراءته، أهو مجرد الفضول؟!

 

لطالما اعتقدت أن للإنسان صفاتٌ توقظها مكنونات الحياة، وأهمها صفة الفضول، والفضول إما أن يفرغ الصبر أو يزيده.. أما زلتم مستمرون في قراءة هذا؟ ألم يفرغ صبركم بعد؟ أم لديكم من الصبر ما يجعلكم تسهبون في القراءة؟

 

هل ستشعرون بألم إن كان لأحدكم حلماً ما زال فضوله يبحث عنه وعقله يستجديه أن يترك السعي فيه؟! إن كان لديكم من هذا الأمر دفيناً، فلما تتكبدون معاناة قراءة كلمات قد تذكركم بما قد يجدد في القلب غصة؟!

حسناً.. لنعد في الزمان لحقبة الطفولة، حين كان الفضول في أوجه، كان اندفاعاً لا يعترض طريقه لا التفكير ولا أي شيء من نواتج العقل، عواطفٌ فقط تنتشر في كل ناحية وفي كل أمر، إما حباً أو خوفاً، فتعلقٌ أو لجوءٌ للأمّ وللأب أو لمن اتجهت إليه عاطفة الارتياح عندما انتشرت عواطف الطفل، ولكن الطفل مغامر، وإذا غامر اكتشف، وإن اكتشف تعلم، وإن تعلم يبدأ عقله بالتحضر لاستلام زمام الأمور، حينها سيقل الفضول وسينهى العقلُ الطفلَ عن إمساك الحشرة التي استغرب شكلها دون أن يخشى ضرها متتبعاً فضوله… أستتبعون فضولكم لإكمال هذا النص؟! ألم يبدأ عقلكم بنهيكم عن إكماله؟! لربما بدأ يمل أو أصابته غيرة من شعور الفضول، فهل أنتم مستكملون؟!

 

عظيمٌ جداً.. بعد أن كبر ذلك الطفل وأصبح فتىً يافعاً يحلم بالحرية من قيود طفولته، ويريد أن يرى الجديد من الآفاق، يريد شخصيته المستقلة، واندفاعاته ودوافعه مختلفة المعنى والمضمون، ويريد أن تكون له لغته، باختصار… يريد أن يكون كبيراً، لا حد لاستقلاليته ولا محدد لخياره ولا طوق لقراره، خياله أوسع من خيال الطفل الذي كان عليه، منطقه ينافي نفسه أو أهله ويواكب حلمه، وأهم ما في ذلك يريد الصداقة والمكانة والصدق والاهتمام، فقد عادت عواطفه تطل عليه، لكنه يأبى أن يكون كل هذا بلا معنى، بل ويريد للمعنى أن يكون مدوياً في نفس غيره قبل نفسه، أما فضوله هذه المرة فلا يأبه إلا بما يأمره به صاحبه، فضولٌ موجهٌ ومركز، ولكن هذه شعورياتٌ مطلقة وأفكارٌ صدوقة تُنسى عندما يعود شعور راحته إما مع شخص أو في مكان أو في استسهاب حلم واقعيُ السطوة..

وما أجمل سطوة الأحلام عندما تختزل الواقع، وإذا ما الحلم لاح اشتاق الفضول لسليقته، ولكن هناك مداً سيبحر به بعيداً لمسؤوليات لم يحتسب لها مكاناً، ولكنه يظن أنه قد تعطيه فرصةً في تجميع أحجار حياته، وترضي نفسه التواقة للمكانة في داخله، هل ستشعرون بألم إن كان لأحدكم حلماً ما زال فضوله يبحث عنه وعقله يستجديه أن يترك السعي فيه؟! إن كان لديكم من هذا الأمر دفيناً، فلما تتكبدون معاناة قراءة كلمات قد تذكركم بما قد يجدد في القلب غصة؟!

 

الأمر عائدٌ لكم، أما أنا فسأكمل سرداً نقري على الأحرف.. كبر ذلك الفتى أكثر وأصبح شاباً عاقلاً متعقلاً، حلومٌ طموح، جلدٌ على تعلمه وعلمه وعمله، قويٌ على نفسه، مكانته تربعت على عرش كيانه، ينبري فارساً في مسؤولياته، أمه وأبيه قمة هرمه، وصحبه دائرة ثقته، وعقله رأس ماله، وتراه يسعى لكل جديد، ويغامر في الغابات التي يستطيع، ولكن رياح عواطفه هادئة، أو ربما هدّأتها حياة التهافت، أما فضوله أصبح حكيم دهره، لكنه يفتقد عاطفته، يفتقد ارتياحه، يفتقد أمانيه، أينما قد تكون منارة عواطفه تمنعه قوته من البحث عنها! وفضوله يتحضر لكل مباغت بحكمة، وعقله يعظه تريث في بحثك عنها، فقد أطفأنا سراجها ونسيناها في موقع معتم داخلك، وأبقينا منها ما يترجم لواجب فقط..

هنا أدرك هذا الإنسان فجوةً في نفسه لا يدري ما هي ولكنه يُحس بها، سيحاول أن يجد في نفسه ما يملأ تلك الفجوة، ولكنه ليس المنوط بهذا الأمر، فكيف لمن لا يعلم صبر الإبل أن يسوقها؟ فيصبر بدوره وينخرط ويلتهي في الحياة حتى تطلُّ أواصر الحب في نفسه فيهتدي لحب في شخص آخر وجد لديه وصلاً لا يفهمه بل يشعر به، ولكنه يدرك أسس الروابط معه تنبع من أفئدته ومدركاته، فيعود طفلاً مندفع العواطف ساهي العقل، ويعيد نشر عواطفه ولكن في ناحية واحدة، يرى في الخوف طريقاً لملذة اللجوء، وفي الارتياح منعزله، يعود يبحث عن مغامرة يرافقه فيها شريك، ويعود يستكشف فيه ومعه..

أتحدث عن فضول يخوض سنة الحياة، يساوي فضول ذلك الإنسان وفضولكم وفضولي، والفضول لا يهدأُ روعُه إلا بالإيمان.. ونصِّي هذا هو فقط تقديرٌ للفضول فجميل أن نكرمه.

معاً سيعودان مرة أخرى لشعوريات الطفولة، وأي سعادة هذه بلغت هذا الجمال مغلفةٌ بحب لا تراجم له بسيط في معناه عميق في أثره؟ ولكن نوازل الفضول ستحل قويةً هنا بعد أن تلاقت الأقدار، فما عاد هناك مصطبرٌ لما ستؤول الحياة عليه من غيب، والفضول يبحث عن أجوبة الغيب في خلجات صدور الشريكين، ويبحث عن صك الخلود والاستمرار، ويحاول أن يستبق أمرهما لعله يأتي بقبس من نور أو خارطة طريق، فبات هذان الشريكان يعودان للنفس الفتية فيهما، عادا لليفعان يبحثان مرةً أخرى عن الصداقة والصدق والمكانة والاهتمام بينهما وخارج كل منهما، يبحثان عن لغتهما الخاصة واستقلاليتهما، وعن ارتياح عميق..

تجتمع تلك المراحل الثلاث فيهما، يمشيان بدوافعهما المشتركة واندفاعاتهما، فضولان معاً وشعوريتاهما مطلقة بمقدار حبهما، يفتشان عن معنى فكرة الأزلية اتجاه بعضهما واتجاه نفسيهما، يعيشان لحظات تعتلي موجها عواطفهما وينتظران زبد الموج بأن يظهر بحثاً عن معرفة بغيبيات مستقبلهما، تارةً تنتشي روح الطفولة فيهما وتارة يكون للعقل نشوته، والبصيرة تحتار عند انكسار حدود الخيال والحلم بطبيعته ثقيل التطبيق سهل الاعتقاد، فدعونا لا ننسى أن لكل إنسان حلم ولكل شريكين حلمٌ مشترك والتضحية هي الحكم والفصل..

 

إلى أين يذهبان؟ سيلتهب الفضول الآن لدينا.. الفضول هنا أصبح عالماً بالاحتمالات، قد يعود الإنسان لنفسه، طفلاً لأمه، وفتىً لأبيه، وكياناً توّاقاً لنفسه، وسيبحث هذا الإنسان في عيون الناس حوله عن الأجوبة تشفي صدره وتهدّي فضوله، سيجلس على أطلال حياته، سيتوه في السراب، سيسعى خلف حلمه وطموحاته بقوة وسيكون حلمه أن يكون مع شريكه ضمنها، وسيعود لحياته وواجباته ووقع الأمل في نفسه شديد ووفاءه أشد، وقد يتسمم بأنانية يبغضها، وكذلك الشريك سيفعل، أما الاحتمال الآخر فقد يستمر مع الشريك هانئاً والحياة بذات المعطيات يجد عليها لذيذ الخوض من الأحلام واللحظات واليقظات والتساكن، وما بعد هذا.. فلست أدري ولدي فضولٌ بأن أعرف، فلم أختبره بعد فعذراً.

 

ماذا تظنون؟ بما تفكرون؟ أمسى الفضول الآن حريقاً.. لست أتحدث عن نفسي ولا عن إنسان بعينه، بل أتحدث عن فضول يخوض سنة الحياة، يساوي فضول ذلك الإنسان وفضولكم وفضولي، والفضول لا يهدأُ روعُه إلا بالإيمان.. ونصِّي هذا هو فقط تقديرٌ للفضول فجميل أن نكرمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.