شعار قسم مدونات

غزة ومختبرات تجارب الفئران

blogs - علم فلسطين
هناك دائماً منعطفات طرق، ذاتها تلك الأوقات التي يتوجب على الإنسان أن يخسر شيئا اعتاد عليه لفترة طويلة من الزمن دون أن يلاحظ الاتجاه ومدى الأفق الذي أمامه.. يبدأ الموسم الحار في غزة وترتفع درجات الحرارة مع استمرار انقطاع الكهرباء والحصار المفروض عليها منذ عشر سنوات، أضف إلى ذلك الوضع المزري الذي يعيشه معظم أهالي غزة من أزمات، أزمة غاز، أزمة سكان، صرف صحي ومياه، سفر، أمن، تعليم، مخدرات، حروب وأزمة البطالة التي وصلت نسبتها حسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى 60.7 % خلال الثلث الأول من هذا العام، أضف إلى ذلك استمرار زيادة الكثافة السكانية التي بلغت 2 مليون نسمة خلال نهاية عام 2016، حيث أشار التقرير الذي أطلقه مركز الأمم المتحدة للإعلام أن قطاع غزة قد يصبح غير صالح للسكن بحلول عام 2020 إذا استمرت الاتجاهات الاقتصادية الحالية. ويلعب الانقسام الجغرافي والفكري والسلطوي دوراً هاماً أو ربما سبب رئيسيا في تعزيز كل هذه الأزمات منذ حادثة الانقسام في صيف عام 2007.

في مختبرات الفئران يتم ترتيب الفئران والاحتفاظ بها بشكل رقمي خلال حياتها وحتى مماتها، للحفاظ على نسلها وهي تعتبر من أهم أنواع التجارب المختبرية عند العلماء، بحيث يتم اختبار أي دواء جديد ومدى فعاليته عليها قبل أن يكون صالحا للاستخدام الآدمي، وذلك بسبب أن هناك تشابه بينها وبين الإنسان في تشريح الأعضاء… لوهلة تشعر أن هذه المعلومة العلمية تصف منطقة جغرافية كاملة وحالة حقيقية تحدث كل يوم داخل مختبر تجارب حقيقي بمساحة 365 كم مربع، محاصر لا حول له ولا قوة ولا أستهزأ بالإنسان أو شعب غزة من خلال هكذا تشبيه، إلا أنه واقع الأرض يشير تماماً لنفس مفهوم الاختبارات والتجارب التي تحدث للفئران في هذه المختبرات، حيث لا تكف عن محاولات إيجاد أقصر الطرق للهرب، غالباً ما تنجح بالوصول لنهاية المسار إلا أن المختبري يرجعها مرة أخرى داخل أقفاصها.

لا تكف غزة عن مفاجأتنا أبداً، إنها تكسر كل التوقعات والالتفافات المطروحة داخل عقولنا.. كل ما يحدث يصيبك بالدهشة والحيرة ليقف عقلك محاولاً إيجاد طرق هرب جديدة.

المشكلة تكمن في أنه لا أحد يعرف من المسؤول عن هذا الاختبار، في كل مرة ينكشف الستار عن شخص أو جهة أو سلطة يأتي النقيض أو الإنكار، لا أحد يفهم شيئا مما يحدث.. مؤخراً، ظهرت أزمة جديدة إلى سلسلة الأزمات اللامتناهية أدت إلى حدوث سخط شديد في الشارع الفلسطيني وخاصة الغزاوي، حيث أعلنت وزارة المالية في حكومة الوفاق الفلسطينية عن خصومات بلغت 30 % من رواتب الموظفين في قطاع غزة، وصرح كثير من المحلليين بأن تأثير هذا القرار سيعود سلباً على باقي القطاعات التجارية والاقتصادية والتعليمية بشكل بليغ، مما أدى إلى استقالة عدد كبير من الشخصيات الاعتبارية والجهات في السلطة الفلسطينية وحركة فتح داخل قطاع غزة.

أحد الموظفين الذين طالتهم هذه الخصومات توجه للبنك كي يقوم بسحب راتبه الشهري ليتفاجأ بأن حسابه المالي وصل خصمه حتى أصبح مديوناً للبنك ذاته، مما أدى إلى صدمته وإصابته بجلطة قلبية أدت إلى وفاته مباشرة! لم يكتف الأمر عند هذا الحد، مواطن آخر قام بإشعال النار بنفسه على باب البنك من شدة قهره! حالات من السخط والاستنكار انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى هاشتاج (مجزرة_الرواتب). الأمر قد يبدو بسيطاً لوهلة وخاصة للأشخاص والموظفين أصحاب القطاعات الخاصة، إلا أنه بالرغم من سلسلة الأزمات والمقدمة الطويلة التي بدأت بها هذا المقال نشير إلى أن هذه كارثة حقيقية! من غير المعقول أن يكون الخصم في رواتب الموظفين مصاحب لارتفاع مستوى المعيشة والمصروفات، لا أستطيع أن أحصي عدد الفواتير وكماليات الحياة اللازمة في هذا العصر، لكن الشيء المؤكد أن رواتب هؤلاء الأشخاص من دون خصومات لا يتبقى منه شيء حتى الأسبوع الثاني من نزوله على الصراف الآلي.

"نحن ضحايا أنفسنا، الآخرون مجرد حجة" بثينة العيسى… لا تكف غزة عن مفاجأتنا أبداً، إنها تكسر كل التوقعات والالتفافات المطروحة داخل عقولنا.. كل ما يحدث يصيبك بالدهشة والحيرة ليقف عقلك محاولاً إيجاد طرق هرب جديدة من هذا المختبر المهول أو أن تنجح بطريقة ما في إيجاد علاج مناسب لهذه التجربة المختبرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.