شعار قسم مدونات

من ابن كيران إلى العثماني.. مراجعات أم تراجعات؟

blogs- ابن كيران
قبل 15 يوم، أصدر الديوان الملكي بلاغا بخصوص إعفاء عبد الإله بنكيران من مهام تشكيل الحكومة وتكليف شخصية أخرى من نفس الحزب ليأتي بلاغ 17 مارس 2017 تأكيدا على تعيين العثماني رئيسا مكلفا. بعد هذه اللحظة الدقيقة عرف الحزب تغيرا جذريا في مواقف تدبيره لملف تشكيل الحكومة، وهو ما دفع المواطن لطرح سؤال: هل المرحلة بقيادتها الجديدة عرفت مراجعات أم تراجعات؟ للإجابة على هذا السؤال، لابد للعودة بالتاريخ شيئا إلى الوراء.

انتخب بنكيران أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية يوم 20 يوليوز 2008 وفي نفس السنة كشر العمق عن أنيابه من خلال تأسيس واجهته السياسية والمتمثلة في حزب الأصالة والمعاصرة بزعامة عالي الهمة، أحد المقربين من دواليب القرار والذي سبق أن شغل منصب الوزير المنتدب في وزارة الداخلية، غايته الأولى تكسير تحالفات سياسية طبيعية كانت ستغير مجرى التاريخ من داخل مجالس الجماعات والأقاليم والجهات.


أتت رياح الربيع الديموقراطي في يوم 20 فبراير 2011 والتي عرفت حراكا شعبيا من خلال رفع شعارات تكشف حقيقة بعض الشخصيات، مطالبة بإبعادهم عن القرار السياسي والاقتصادي لأن المغرب لم يعد يقبل أمثال الهمة.

إلى أن أتت رياح الربيع الديموقراطي في يوم 20 فبراير 2011 والتي عرفت حراكا شعبيا من خلال رفع شعارات تكشف حقيقة بعض الشخصيات، مطالبة بإبعادهم عن القرار السياسي والاقتصادي لأن المغرب لم يعد يقبل أمثال الهمة، الماجدي والعماري والذين كانوا يتهمون بتحكمهم في رجالات الدولة وإعطاءهم التوجيهات، مستغلين قربهم من الملك محمد السادس.

يوم 9 مارس 2011 يتجاوب الملك مع مطالب الشارع الداعية لإصلاحات دستورية في خطاب تاريخي ويعلن عن إصلاحات دستورية تمنح مزيدًا من السلطات لمؤسسة الحكومة وتعزز الجهوية، وترفع من شأن اللغة الأمازيغية.

ليأتي دستور 2011 نتيجة لحراك شعبي. وبعد الخطاب السامي للملك يوم 17 يونيو 2011 بدأت المشاورات مع الأحزاب السياسية من أجل إعادة صياغة بعض البنود، وتم التصويت بالأغلبية في استفتاء فاتح يوليوز 2011، والتي لعب فيها حزب العدالة والتنمية دورا رياديا بقيادة بنكيران من خلال دفاعه بشراسة على التصويت بالإيجاب وعلى النظام عموما عبر مهرجانات خطابية وتأطيرية.

بعدها مباشرة جرت انتخابات برلمانية مبكرة يوم 25 نونبر 2011 كأول انتخابات في ظل الدستور الجديد والتي وصفت بالمرحلة الأخيرة في انقاذ المغرب، جعلت حزب العدالة والتنمية يتبوأ الصدارة ب107 مقعدا ويعين بنكيران أول رئيس للحكومة بعد الحراك العشريني زوال 29 نوفمبر 2011. ليشكل الحكومة في 36 يوما ويعين الملك الوزراء يوم 2 يناير 2012.

بعد هذه القفزة الديموقراطية التي شهدها المغرب و ما تبعها من خلو الاحتجاجات في الساحة الوطنية و التي كانت تعتبر إشكالية تهدد النظام الأمني والسياسي بالبلاد يصعب حلها، واجهتها الدولة بنوع من الانتظارية، هنا تسلح بنكيران بأصوات الشعب وبالإرادة الشعبية وبدأ معركته ضد التحكم و أدواته من داخل الحكومة وخارجها، وبدأ بنكيران بصياغة قاموسه الدقيق ليظهر للرأي العام أن المعركة بين تيارين ليس إسلامي مقابل يساري، أو يميني تقدمي مقابل علماني، بل تيارين أحدهما يؤمن بالإنسان ويؤمن أن المواطن يستحق تدبير شؤونه بنفسه، وتيار يؤمن أن الإنسان لا يستحق الحرية كما أنه لا يستحق أن يضبط أموره تلقاء نفسه.


فاز ابن كيران بالمرتبة الأولى في انتخابات 7 أكتوبر 2016 ليجد نفسه وسط بلوكاج حكومي أدى عزيز أخنوش وإدريس لشكر دورهما فيه بنجاح. 

يوم 4 شتنبر 2015 جرت الانتخابات الجماعية والجهوية، وتبين أن الحرب حقيقية بين تيارين أحدهما ديموقراطي والآخر إداري، وشهدت انتصارا للتيار الإصلاحي، من خلال المراهنة على شركاء حقيقين للمجتمع داخل المشهد السياسي، باعتبار أن الإسلاميين طرف فيه، وأبان الشعب من خلاله عن تأكيده الرفض للتحكم ولأدواته من فساد، وأنه قد فهم تحركاته وأن من يراهن عليه إنما يراهن على السراب، فكيف لتيار أنشئ بين ليلة وضحاها أن يهزم تيارا ذو أصول عريقة ومرجعية واضحة؟ وتأتي هذه المرحلة كتأكيد على خطاب وقاموس بنكيران وتعزيزا لشرعيته. في المقابل لم يجلس التيار الآخر مكتوف الأيدي، بل سخر كافة الوسائل للرجوع بقوة إلا أنه فشل.

ظل بنكيران بشعاره تمثيل التفويض الشعبي والانتصار للخيار الديموقراطي حتى فاز بالمرتبة الأولى في انتخابات 7 أكتوبر 2016 ليجد نفسه وسط بلوكاج حكومي أدى عزيز أخنوش وإدريس لشكر دورهما فيه بنجاح. بلوكاج بين تيار الديموقراطية وتيار التحكم، حيث ظل بنكيران وفيا لشعاره شامخا أمام التحكم، ما كان سببا كافيا لإعفائه بعد بلوكاج تقدر مدته ب 5 أشهر.

يوم 15 مارس، أصدر الديوان الملكي بلاغا بخصوص إعفاء السيد عبد الإله بنكيران من مهام تشكيل الحكومة وتحميله المسؤولية، مع تعويضه بشخصية أخرى من نفس الحزب.

يوم 16 مارس، أصدرت الأمانة العامة للحزب بلاغا تزكي فيه بلاغ الديوان الملكي، وترفع المسؤولية عن بنكيران، وتدعو المجلس الوطني للحزب للانعقاد بغية تدارس مستجدات تشكيل الحكومة، بلاغ لازال مرتبطا بمرحلة بنكيران بشعاراتها لا للتحكم ونعم لتمثيل التفويض الشعبي والانتصار للخيارالديموقراطي.

17 مارس، يصدر الديوان بلاغا لتعيين العثماني رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة.
18 مارس، ينعقد المجلس الوطني للبيجيدي، ويصوت بالإجماع على قرار البلاغ، ويقيد العثماني بنفس شروط بنكيران.

هنا، يبدأ المنعطف الجديد في تاريخ الحزب، فكان أعضاء المجلس الوطني بين اختيار التفاعل أو الاعتذار للملك، إلا أنهم صوتوا بالإجماع على القرار الملكي رغم حرية الموقف، فلا أحد يريد المقامرة بنفسه لتزعم الأصوات المنادية للخروج إلى المعارضة.

رغم أنه في أواسط ماي 1960،وبعد اسقاط حكومة عبد الله إبراهيم وإعفاءه من مهامه شرع محمد الخامس حينها في استدعاء بعض الوجوه الوطنية كعبد الهادي بوطالب وعبد الرحيم بوعبيد، إلا أنهم اعتذروا، لتتم إعادة عبد الله إبراهيم ليعتذر هو الآخر.


بعد أسبوع من تكليف العثماني، أصدرت الأمانة العامة، أول بلاغ لها في عهد ترأس هذا الأخير للحكومة بلاغ لم ترد فيه كلمة، الاختيار الديمقراطي أو الإرادة الشعبية بلاغ ينتمي للقيادة الجديدة، بلاغ أغلق قوس بنكيران وافتتح المسار بسلسلة من التنازلات من قبول حزب الاتحاد الاشتراكي كحزب ضمن الأغلبية الحكومية.


الشيء الذي خلف موجة استياء عارمة، إلى قبول منح الرميد حقيبة وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان، بعد الفيتو الذي شهر في وجهه، بعيداً عن الأمانة العامة.


هل الجهات التي كانت وراء تغيير وزراء حكومة بنكيران وإسنادهم لوزارات غير التي كانوا يرأسونها لها علاقة بالقطع مع عهد بنكيران، أم مجرد تكتيك لعرقلة استكمال أوراش الحكومة السابقة؟

فهل موافقة المجلس الوطني على التفاعل الإيجابي مع بلاغ الديوان بالإجماع تعني بالضرورة التخلي على رؤية وسياسة بنكيران؟ إذا كان للديوان الملكي الكلمة الفصل في إعفاء بنكيران على رأس الحكومة هل هذا يعني بالضرورة انتهاءه من رئاسة الحزب؟ أليست الديموقراطية الداخلية هي المقررة في بقاء الأمين العام من عدمه؟ وهل فعلا يمكن أن نصف العثماني بن عرفة كما جاء على لسان مصطفى الرميد، الذي رفض تقلد منصب بنكيران إن فشل؟.


لكن هل حقبة بنكيران انتهت وانتهى معها شعار لا للتحكم ونعم للاختيار الديموقراطي؟ وبهذا كل شيء صار في خبر كان؟ بهذه التنازلات التي لسنا بحاجة لها، خضع العثماني للزوبعة وانحنى للتحكم؟ وهل فعلا سيتمسك بورقة الأصوات الشعبية أم سيخونها؟ هل الجهات التي كانت وراء تغيير وزراء حكومة بنكيران وإسنادهم لوزارات غير التي كانوا يرأسونها لها علاقة بالقطع مع عهد بنكيران، أم مجرد تكتيك لعرقلة استكمال أوراش الحكومة السابقة؟ فهل يتحمل المجلس الوطني تبعات قراره، أم يغلب الأمر وينجح العثماني بقيادة العدالة والتنمية للعبور بمأمن خلال هذه اللحظة الحرجة؟

لكن السؤال الحقيقي، هل يتراجع العثماني عن مكتسبات بنكيران ويبني حزبا جديدا بقناعة واختيارات جديدة؟

من يا ترى سيشرح لنا حيثيات هذه التنازلات؟ لكن يجب علينا في الآن نفسه، أن نكون أكثر تفهما، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال التشكيك في إخلاصهم لربهم ولوطنهم، لكن حرقتنا على الوطن تدفعنا لطرح أكثر من تساؤل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.