شعار قسم مدونات

مثاليات السوشيال ميديا لا تمت للواقع بصلة

مدونات، هاتف

أصبح العالم بوجود وسائل التواصل الاجتماعي يعج بالمثاليات المزيفة أو حتى شبه المزيفة فالبعض يطبقها ولكن الأغلب لا تمت لواقعه بصله، فلعلنا نرى الكثير ونتواصل مع العديد من أصحاب المبادئ والقيم والمثل العليا ونعتز ونفتخر بصداقاتهم على هذه المواقع ولكن لا نعرف مدى تطبيقهم لهذه القيم على أرض الواقع.

كثيرا ما نرى أشخاصا ينادون بصلة الأرحام وزيارة الأقارب ولا نكاد نراهم إلا في المناسبات والأعياد الرسمية، وآخر يتحدث عن الضمائر الحية وكأنه شيخ جليل لا يؤذي أحدا ولا يظلم أحدا وفي الواقع ضميره لم يستيقظ ابداً، وأخرى تتحدث عن الغيبة والنميمة ولا يكاد أحدا يسلم شر لسانها، وأحدهم يتحدث عن البر وهو عاق إلى الحد الأكبر من العقوق، وغيرهم كثيرون من يتحدث عن الظلم وهم لم يتركوا مجالا لأحد حتى أن يدعوا لهم في سريرته.. الخ. فهؤلاء أشخاص رسموا لأنفسهم صورة نموذجيه في هذه المواقع لكنهم في الواقع بعيدون كل البعد عن أي مثاليه يدّعونها، بل هم أشبه بالأشخاص بالسذج الذين يقولون ما لا يفعلون.

لم نعد نميز بين الصادق والمنافق وبين المظلوم والظالم، بين من يتحلى بهذه الأخلاق ومن يفتقدها فالجميع أصبحوا يتحلون بهذه الصفات والأخلاق والأغلب لا تمت لواقعه بصلة.

العجب لم يكمن هنا فحسب فهذا الشيء اعتدنا أن نراه كثيرا في حياتنا اليومية خصوصا الفيسبوكية وغيرها من وسائل التواصل، ولكن يكمن العجب بمن يؤمن بمنشورات هؤلاء الأشخاص ويشاركونهم مشاعرهم وتعليقاتهم هم من لم يعتادوا على التعامل معهم في حياتهم اليومية سواءً على الصعيد الشخصي أم المهني أم العملي أم الدراسي…الخ، بل هم مجرد أشخاص لا تتعدا علاقتهم شاشات الأجهزة الذكية، وبعضهم قد يكون اللقاء بهم مرة كل عام أو حتى يكون لقاء عابرا في إحدى المناسبات الاجتماعية.

فلا يعرف مكرهم جيدا إلا من تعايش معهم فمن يجيد معرفة طباعهم وأفكارهم جيدا هو من يميز الخبث في نظرة أعينهم. حجم النفاق في مواقع التواصل الاجتماعي لا حدود له فشخصية الإنسان عندما يكتب أو يعلق على أحد الموضوعات تختلف تماما عن شخصيته وهو يتعامل وجها لوجه لأنه على هذه المواقع يتمهل في انتقاء حالاته وعباراته وهذا له أثر كبير في ظهوره بشخصية مغايرة تماما لشخصيته الواقعية؛ لأنها تكون مشبعة بالمثاليات المدعية عند بعض الأشخاص فهذه المثاليات مستحبة لدى الجميع فالبعض ينشدها والآخر يدعيها ولكن ليس من ينشدها كمن يدعيها، فمن ينشدها يجب أن تكون أفعاله تسبق أقواله ومن يدعيها لا يستطيع فعل ولو حتى القليل منها.

ربما الخداع في مواقع التواصل الاجتماعي سهل جدا ولكن الاستمرارية في استمرار هذا الخداع صعبه جدا أيضاً، فالمثالية الزائفة تخرج عن نطاق الكلام وتسقط أمام الفعل, وأغلب المدعين لديهم إدراك تام لهذه المثاليات الزائفة لكنهم ربما يكون لديهم مشاكل نفسيه أو قصور في أحد الجوانب لذلك يتعايشون مع هذه الوسائل حياة مزيفه بعيدة كل البعد عن واقعهم الحقيقي لذلك لم نعد نميز بين الصادق والمنافق وبين المظلوم والظالم، بين من يتحلى بهذه الأخلاق ومن يفتقدها فالجميع أصبحوا يتحلون بهذه الصفات والأخلاق والأغلب لا تمت لواقعه بصلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.