شعار قسم مدونات

هاروكي موراكامي رائد الرواية الغرائبية

Blogs - Books
يتخذُ الكاتب الياباني "هاروكي موراكامي" مسلكًا مغايرًا لما ألفناه في الرواية، فلا يتورعُ في كل مرة في أعماله من خلق تساؤلات كثيرة حولها وما تحمله في كل مرة من بصمة مختلفة مميزة عن غيرها بغرابتها واقتضابها وخروجها عن المألوف والعادي المعروف.

ما من أحد يقرأ للكاتب الياباني هاروكي موراكامي ويبقى على حاله! غرائبية قصص هذا الرجل تزُج بك في دوامة التساؤلات اليومية الحتمية حد أن تجعلك تبحث في الهدف من تواجدك في هذه الحياة. تجعلك تدرك معنى أن تكون أنت نفسك. معنى أن تسعى جاهدًا لمساندة روحك التي ذاقت من اللوعة ما ذاقت! باختصار هذه الرواية والتي تفوق كونها مجرد رواية تمدك بالكثير والكثير، ولأنك تحتاج أن تكون مع نفسك اليوم أكثر من حاجتك في أن تكون برفقة أحدهم فلن أبخل عليك في أن أدلك على الطريق ألا هو أن تقرأ لهاروكي بعينه!

في ”كافكا على الشاطئ” يُحتم على القارئ مسح كل منطق من عقله مسحًا تاما وبذلك يصل إلى ذروة اللذة والاستمتاع بكل غرائبية تُذكر وما تحمله من أحداث مُربكة خطرة تهز القارئ هزًا عنيفاً حد السُخرية من عقله البسيط المُقفر! وبين الخيال والواقع يُبحر بنا هاروكي إلى عوالم أخرى فاخرة تُغيبنا عن واقعنا المُهترئ لبرهة من الزمن. عاجزين كل العجز في اتخاذها مؤنسة لنا لأمدٍ بعيدٍ جدا!

ناكاتا نام نوما هانئا فلم يستيقظ بعدها مطلقا فتبين أنه مات ببساطة دون أن يقول حتى وداعا أو يرسم بسمة طفولية على محياه.

”كافكا على الشاطئ” ليست برواية بقدر ما هي حياة زاخرة بالذكريات الرهيبة الموجعة إلى حد اللامعقول والتي تمُسُ كل من يقرأها مسًا ملمُوسا لاذعًا لا مُبالغٍ فيه. هناك شخصيتان في هذه الرواية تلعبان دوران مختلفان اختلافا كليا فيلتقيان في نقطة معينة إلى قدرهما المحتوم! لقد عشتُ مع كل سطرٍ لوعة اللعنة المُسلطة على (كافكا تامورا) ذلك الفتى ابن الخامسة عشرة سنة والذي يجب أن يكون أقوى فتى في العالم على غِرار اللعنة المُلحقة به من قِبل أبيه والتي تكادُ تكونُ هي العامل المسؤول بل الوحيد في تغيير حياته من فتى عاديٍ يقطن مع أبيه لوحده إلى فتى هاربٍ من مسكنه ومأمنه في الظاهر مُتجها إلى العدم حيث النعيم حيث الحقيقة المُزجاة حيث حبه الأبدي "الكُتب" حيث الأشياء المُبهرة الغرائبية غير المخطط لها بالمرة حيث الصُدف والتي تواطأت بدورها مع القدر وذلك بنقله نقلة شاملة كلية إلى معنى أن يكون قويا بمفرده دون سندٍ يُذكر نظرًا إلى صغر سنه في هذا العالم الساحق لكل أثرٍ جميل لكل المُبهجات. لاندثار الأحبة اندثارًا ساحقًا لا رُجوع فيه!

أما العجوز "ناكاتا" فهو الرجل الذي ابتُلي بالغباء على إثر حادثٍ مُروع في طفولته فبات غبياً لا يقرأ ولا يكتب ولكنه اكتسب مهارة نادرة جدًا وهي التحدث إلى القطط. ومن خلال هذه الموهبة تسنى له إيجاد القطط الضائعة أو الهاربة بتكليفٍ من مالِكيها له بهذا العمل غير عالمين بقدرته المذهلة العجيبة على التحدث إلى القطط وذلك مُقابل أجرٍ زهيدٍ يُسعد به ناكاتا نطرا لانعدام الرغبات لديه مما يجعله قانعا بكل ما يأتي منهم عن طيب خاطر!

لم أحب القطط يوما وما كنت أظن أن شعوري تجاههم سوف يتغير من كتاب. ولكن العبقري هاروكي غيره تماما، مما أثار في نفسي حبها من خلال القطة ميمي الرقيقة الذكية المُترفعة وشغف ناكاتا وولعه بالقطط عامة ومن خلال أيضا تصويرها كائنا ضعيفا مسكينا مهزوما قد وقع استغلاله بُغية صُنعُ نايٍ مُشين عجيب من أرواحها، من طرف بشري قذرٍ لا قلب له ذا جنونٍ رخيص. يبقرُ بطونها وينتزع قلوبها ومن ثم يلقيها في فمه ويمضغها باستمتاع وتروٍ!

اعتاد هاروكي على جعل نهاية حكاياته موتا في موت حيث نجد هنا الموت أمرا عاديا فلا يوجد سببا مثيرا أو موجعا للوفاة غير أن ناكاتا نام نوما هانئا فلم يستيقظ بعدها مطلقا فتبين أنه مات ببساطة دون أن يقول حتى وداعا أو يرسم بسمة طفولية على محياه! أخيرًا إذا كنت أيها المُتلقي العزيز قد تجاوزت الخامسة عشرة من عمرك ولم تضع صخرة واحدة تجاه مسار التغيير، فاعلم أنه لم يفتك شيء ولكن قد حان الوقت في مبادرتك بذلك من خلال مقارنة بسيطة بينك وبين كافكا تامورا مدركا بعدها مدى وضاعة شأنك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.