شعار قسم مدونات

ضريبة الحرب ليست أرقام الضحايا ودمار المدن

blogs - أطفال فقراء
حين تشتد ضرواة الحرب، وتسفك الدماء والقتل تفوح رائحة الجثث في كل مكان، هنا تظهر عدسات الكاميرا لتنقل لنا مأساة ما يحدث من ألم ومعاناة، فيحدث التضامن الإنساني ولكن سرعان ما يتلاشى هذا الشعور وينسى الضمير هذه الصور لكونها صارت مكررة في واقعنا كل يوم، فباتت أشلاء الموتى مجرد صور لم تعد تحرك أي ضمير، فصوت الحقيقة بات مغيباً.. ليست هنا المشكلة فحسب، بل هناك ثمة أشياء أكثر ألماً، فحين تتوقف الحرب، يبدأ التفكير بإعمار الأرض، ولكن لا يتم تعمير القلوب، أو تعمير الحياة، لكون العالم لا يلتفت لما تخلفه الحرب من كوارث كبيرة يظل أثرها لسنوات وربما لعقود من الزمن.

التعليم هو الضريبة الكبرى التي تدفعها الشعوب المطحونة بالحرب والصراعات كفاتورة حرب طويلة، تنعكس أثاره على مستقبل الأجيال عاماً بعد آخر، لكون الحروب تؤدي إلى وقف الحياة ومنها التعليم الذي يكون هو الأكثر ضرراً والمتواري خلف عدسات الكاميرات، وأروقة الحقوق… قد تنتهي الحروب وتتلاشى آثار الدماء، ولكن يبقى أثر تدمير التعليم مستمرا، وهنا تتفاقم المعاناة حين تكون النتيجة الوصول إلى جيل جاهل، غير متعلم فقط ثقافته هي لغة العنف والسلاح، فتتوقف عجلة الحياة وتنعدم التنمية ويظل الفقر مستمراً، وتبقى شرارة الحرب على أهبة الاستعداد للاشتعال مرة أخرى، لكون الجيل غير المتعلم سيظل جيلا أكثر حباً وقرباً من العنف والكراهية، معادياً للسلام والمساواة.

نجد المحصلة النهائية للحروب ليست فقط أرقام الضحايا والمدن المدمرة، بل هو تدمير أجيال الحاضر والمستقبل الذين يعول عليهم بناء اليمن والنهوض به إلى مصاف الدول.

المتتبع لواقع عالمنا العربي يلاحظ حجم التدني في مستوى التعليم، ونسبة الأمية المنتشرة في الكثير من أرياف ومدن بلداننا العربية، لذلك لا نزال نقبع في ذيل الدول من حيث التنمية والتطور والعلوم، وهذا نتاج طبيعي لتهميش التعليم، وذلك لتأثير الصراعات والحروب التي ألقت بظلالها على مستقبل الأجيال.

اليمن كغيرها من البلدان التي تعاني من ويلات الحروب والصراعات، تسجل رقما كبيرا في عدد الأطفال خارج المدرسة في سن التعليم بما يزيد عن مليوني ونصف طفل غير ملتحقين بالتعليم، هذه النسبة العالية يضاف إليها التدهور الكبير في العملية التعليمية في السنوات الأخيرة بعد أن عمد النظام السابق إلى تهميش التعليم، وتجهيل الشعب كي يسهل عليه تركيعه والسيطرة عليه.

باتت اليوم العملية التعليمية في اليمن سيئة جداً وتم إخراج اليمن من التصنيف الخاص بجودة التعليم، بسبب ضعف العملية التعليمية، وتدهور التعليم في اليمن خصوصاً بعد سيطرة المليشيات الانقلابية على الدولة وتدميرها لكل شيء وتحويل الجامعات والمدارس إلى ساحات لنشر الطائفية والاقتتال، والترويج للأفكار المذهبية وغرس ثقافة الكراهية والعنف بين أبناء الوطن الواحد.

إذا نجد المحصلة النهائية للحروب ليست فقط أرقام الضحايا والمدن المدمرة، بل هو تدمير أجيال الحاضر والمستقبل الذين يعول عليهم بناء اليمن والنهوض به إلى مصاف الدول، تنموياً وريادياً وعلمياً، وهنا يجب علينا جميعاً استشعار المسؤولية في الحفاظ على العملية التعليمية لكي تذهب الحرب فتجرف معها مستقبل أبنائنا وبناتنا الذين باتوا ضحايا وضريبة حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.