شعار قسم مدونات

خان شيخون تختنق

blogs -سوريا

تفصلني عنكم تسعون دقيقة، نعم تسعون دقيقة بالضبط وأنا عاجزة عن تحريك ساكن وشعور يسري بجسدي ليقول لي أنني أرقد ضعيفة خلف شاشة الموبايل، أخجل من أن ألتقط أنفاسي حتى وأنكم لا تروني. تسعون دقيقة تمنعني عن إنقاذ روح بريئة نهايتها الاختناق بغاز الحقد على أحلام بسيطة.. أحلام طفولية، ولكن يبدو أنها تشكل خطرا كبيرا على دول العالم وآل الأسد. يخافون من أجساد صغيرة كبرت مع الثورة السورية ونشأت على الكرامة والحرية. يخشون من أطفال ترعرعت على حب الجهاد وكلمة لا إله إلا الله.

يا صغاري لا تسامحوا.. لا تغفروا، وأولهم أنا، لا تسامحوني لأن ضعفي انتصر علي واستطاع أن يسيطر على أجزاء كياني. رغم القليل من الكيلومترات التي تقف حاجزا أمامنا، أحاول أن أستنشق من غاز الكلورين لأشارككم حفلة الاختناق، فأنا سورية وأنتمي لثورة الحرية من حقي أن أشارككم هذه الحفلة. تباً لتسعون دقيقة منعتني من أن أكون واحدة من الدفاع المدني السوري الحر، وقفت عائقا أمامي لكي لا أغرق أجسادا غضة بالماء، أجسادا تسرب إلى داخلها غاز الموت ليسرق أحلاما وردية.

فقط في بلدي يموت الإنسان ثلاث مرات، مرة رعبا ومرة قصفا وأخرى خنقا .ويموت بعده أبناء بلده من المنظر الذي يبقى محفورا على سطور ذاكرته، وبعدها يموت أحبابه ستين مرة في الدقيقة من الشوق.. من الذكريات.. من الكلمات

كنت أراهم من خلف شاشة الموبايل يتوسلون للهواء بأن يأتي وينتشلهم من هذا الكابوس، لأنه أرحم بكثير من هذا العالم. تجمدت أطراف أصابعي وسارت قشعريرة في جسدي ثم حاولت أن ألملم فتات قلبي كما يجمع أب أشلاء ابنه، ولكن عبثا دائما أهزم ويرفع البكاء أصابعه مشكلا علامة النصر. باالله كيف يكون حال فتاة تودع أطفال بلدها دفعة واحدة، يختنقون.. يموتون.. وتدفن معهم طفولة بريئة أزعجت هذا العالم برائحتها الجورية، وضجتها العنفوانية التي تكبر لتستقبل مستقبل ملون بريشة فنان يعلم ما معنى الحياة، لا بموت ينسل روحهم ببطيء من أجسادهم المنهمكة رغم طراوتها.

فقط في بلدي يموت الإنسان ثلاث مرات، مرة رعبا ومرة قصفا وأخرى خنقا، ويموت بعده أبناء بلده من المنظر الذي يبقى محفورا على سطور ذاكرته، وبعدها يموت أحبابه ستين مرة في الدقيقة من الشوق.. من الذكريات.. من الكلمات.. من كل شيء، حتى من شربة الماء. حينها لم يجول بخاطري لماذا العالم يستمتع بهذا الفلم السينمائي؟! كل ما جال بخاطري أن ما هو شعور كل دكتور في دول الخليج أو الدول الأجنبية، كيف سيستطيعون أن يغمضوا أعينهم؟ لا أدري من ماذا صنع ضميرهم؟

تعبك الذي تراكم على عاتقك في 17 سنة دراسية منذ الروضة وحتى يوم التخرج، ألم يكن من أجل وطنك.. من أجل أن تكون على أرض بلدك التي احتضنتك في سنين طفولتك، وعلمتك حروف أبجديتها، وسقتك من مائها.. غذتك من طعامها؟! أهو كثير عليها بأن تكون الآن فوق مساحتها الجغرافية المحررة التي تفوح منها رائحة الموت في كل مكان لتؤدي رسالتك الإنسانية وأبناء بلدك هم أولى بأن يقرأوا هذه الرسالة قبل جميع البشر، "أرقدوا بسلام الآن بعيدا عن رائحة الدماء.. وعانقوا جنة عرضها الأرض والسماء"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.