شعار قسم مدونات

تمثيل الانتماء بأشكال "فن"

blogs - رسم

أحضر قلما وورقة بيضاء وارسم دائرة صغيرة فارغة بمنتصف الصفحة ثم ضع "نفسك" بنقطة مركزها تماما. حسنا، هذه هي دائرتك الشخصية ولنسمها "دائرة الذات" وهي ما تعبر عن انتمائك لنفسك وعن تقديرك لذاتك. ضع كل ما تريد من متعلقاتك في دائرة الذات الشخصية الصغيرة تلك، ارسم نجاحاتك، آمالك، أحلامك، قلبك، مشاعرك، عقلك، أفكارك، صحتك، إيمانك، كل شيء. ضع كل شيء بهذه الدائرة. هي مملكتك الشخصية وستبقى بداخلها طيلة عمرك لأن "انتماءك" لنفسك هو مقدمة تقديرك لذاتك… هات قلمك مجددا، فأنت لم تنتهِ بعد. ارسم دائرة أكبر حول دائرة الذات، ولنطلق عليها "دائرة العائلة". ستكون أنت ودائرة الذات الخاصة بك "مجموعة جزئية" من دائرة العائلة الكلية. أنت بالتالي عنصر مفرد ضمن مجموعتين متداخلتين، مجموعة دائرة الذات التي تحتويك ومجموعة دائرة العائلة التي تحتوي الأب والأم والأبناء والإخوة والأجداد. دائرة العائلة قريبة جدا إلى محورك وبالتالي فانتماؤك للعائلة هو بلا شك من أقرب الأمور إلى قلبك. ومع ذلك، فعليك أن توازن بين حجم دائرة ذاتك وحجم دائرة العائلة، تذكر أن العائلة هي المجموعة الكلية لا الذات. إن تضخمت دائرة الذات والتهمت دائرة العائلة فستخسر الأب والأم والأخ والابن بأنانيتك، أما إن تقلصت دائرة الذات واختفت منها أحلامك وطموحاتك الخاصة فستخسر نفسك!

خذ قلمك الآن وارسم دائرة حول دائرة العائلة، هذه هي "دائرة النسب"، البعض يسميها دائرة العشيرة أو الحمولة أو الأصل. ارسم حولها دائرة أكبر قليلا واكتب عليها دائرة الوطن. انظر الآن عبر دائرة ذاتك إلى دائرة الوطن، هل ترى ما أرى؟ أترى ألوان الناس المختلفة في دائرة الوطن مختلفة عنك؟ أليس كذلك؟ كل منهم له دوائر نسبه وعائلته وذاته الخاصة به ولكنهم جميعا موجودون معك بدائرة الوطن، هذا ما يجعل هذه الدائرة تحديدا رائعة وملونة. نعم، هناك في دائرة الوطن من يختلف عنك فكرا أو عقيدة أو نسبا أو شكلا، هكذا هي الأوطان، لا يمكن أن تصبغ بلون واحد أبدا! لا تضع قلمك بعد، ارسم دائرة أكبر حول دائرة الوطن وستكون هذه المرة "دائرة الانتماء لقومك"، وإن كنت عربيا فسيكون من الأفضل ربما تسميتها بدائرة القومية العربية. انظر إلى ما تحتويه من دوائر متداخلة ومتجانسة، فهذا عراقي وهذا شامي وذاك مغاربي وتلك من الحجاز. قومك إن كنت عربيا هم أشقاء لك يتكلمون لغتك نفسها ويشبهونك جدا بكل شيء. لا أعني بالانتماء لهذه المجموعة أن يتبنى الإنسان تصور شخص آخر يربط العروبة أو القومية باسمه أو بتجربته. انتماؤك لقوميتك العربية أكبر من أن يتخذ اسما لحزب أو حركة أو يطلق عليه اسم شخص أو رئيس أو قائد. انتماؤك لدائرة قومك هو ببساطة الدنيا فرحتُك عندما تقابل شخصا يتكلم العربية ويقول لك "أنا عربي" في بلد غريب.
 

 كل شخص في الكون هو محور الكون بما يغني محيطه بدوائر مختلفة تصنع منه عنصرا متفردا لا يشبه أحدا غيره. عليه فقط أن يجعل دوائر انتماءاته من الكريستال الشفاف لأنه يُنفذ الضوء ويظهر ما وراء الآفاق.

تناول قلمك وأحط هذه الدائرة بدائرة أكبر، هذه هي "دائرة العقيدة"، فإن كنت مسلما فستكون هذه الدائرة هي دائرة الانتماء لأمة "لا إله إلا الله". تراهم عند الكعبة يصلون ويركعون ويسجدون، هؤلاء هم إخوانك، مصابهم مصابك وفرحهم هو فرحك وآلامهم هي آلامك. هذه هي الأمة الإسلامية القوية بانتمائك لها إن كنت مؤمنا قويا وعالما حليما. أرجو الآن أن ترسم حولها دائرة كبيرة جدا، انثر ألوانك فيها بصخب، أفرغها جميعا في هذه الدائرة الكبيرة، هذه هي "دائرة الإنسان". سترى فيها أمما وحكايات، سترى وجوها كثيرة وأفكارا وأديانا وفلسفات وعلوما، سترى الخير والشر.

افتح قلبك قليلا. أترى ذلك الطفل الصغير، أترى من أي بلد هو ومن أي نسب ومن أي قوم ومن أية عقيدة؟ لا يشبهك ولا يشبه أطفالك لأنه بدوائر بعيدة جدا عن محورك، ولكنه ينتمي للمجموعة الكبرى نفسها التي تنتمي أنت لها. هو يستحق الوجود في الدائرة وأنت تستحق الوجود فيها أيضا، ألا تتفق معي. حول الدائرة الكبيرة هناك الفراغ، هذا تماما هو الكون بكل ما فيه. النباتات والحيوانات والأرض والسماء والأنهار والكواكب والنجوم. أنت تنتمي للكون ومستخلف فيه. بمعنى أن من حق كل شيء فيه أن يحيا ويزهر كما تفعل أنت تماما، ومن واجبك أن تشعر بمسؤوليتك تجاه المخلوقات أجمع.

أترى جميع الناس من بني آدم الآن في دائرة الإنسان تلك، أترى جميع الكائنات الأخرى داخل منظومة الكون، أترى جمال الكون فيك وفي كل شيء وشخص. كل شخص في الكون له نفس ثمينة كما لك أنت، له عائلة كما لك، له نسب عريق يمتد لآدم وجذوره تخترق الأرض وتعانق التراب كما لك، له قوم كما لك، له عقيدة يؤمن بها كما لك، وينتمي لبني البشر كما تنتمي أنت. لست وحدك وليسوا وحدهم إذن.

هل أنت محور الكون؟ نعم، أنت بالمحور تماما لكنك لست وحدك. كل شخص في الكون هو محور الكون بما يغني محيطه بدوائر مختلفة تصنع منه عنصرا متفردا لا يشبه أحدا غيره. عليه فقط أن يجعل دوائر انتماءاته من الكريستال الشفاف لأنه يُنفذ الضوء ويظهر ما وراء الآفاق. افترض أنك صنعت دائرة الذات من الفولاذ مثلا، فلن ترى ما وراءها من دوائر أبدا، لن ترى إلا نفسك وذاتك وستظن أنك أنت فقط محور الكون وأن الجميع لابد أن يعملوا لأجلك. وإن أنت جعلت دائرة النسب من الفولاذ كذلك، فلن ترى في الدنيا من يستحق التقدير إلا من ينتمي لهذه المجموعة الصغيرة 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.