شعار قسم مدونات

البعد الوحدوي في "قيامة أرطغرل"

blogs - أرطغرل

حقق المسلسل التركي "قيامة أرطغرل" نسبة عالية من النجاح في موسمه الثالث على التوالي بعد أن تخطى حدود تركيا والعالم العربي والإسلامي ووصل للعالمية. فتمت دبلجة المسلسل إلى العديد من لغات العالم ولا يزال حتى اليوم يحقق أعلى نسب مشاهدة بين الجمهور العربي والإسلامي. ولا شك أن لهذا النجاح أسباباً ساهمت في حفاظ المسلسل على نجاحه على مدى 3 مواسم ومنها الإنتاج الضخم والتكلفة العالية والإخراج الرائع الذي يحاكي الإخراج الأوروبي من حيث الجودة والصورة والموسيقى واستحضار الماضي بطريقة جذابة والتوثيق التاريخي الذي تجلى في السيناريو الرائع الذي وُضع.

 

خلفية المسلسل:

ولا شك أيضا أن للمسلسل خلفية أراد القيمون عليه توضيحها سواءً كانت سياسية أو تاريخية أو حتى دينية. فالمسلسل الذي يناقش فترة زمنية حساسة من تاريخ العالم الإسلامي ويتحدث عن شخصية تعتبر رمزا تاريخيا مقدسا لدى الأتراك وهو أرطغرل والد عثمان مؤسس الإمبراطورية العثمانية كان لا بد من أن يثير الجدل لناحية بعض الأحداث والتي شكك بها البعض واعترف كاتب السيناريو بأنه أضاف بعض الأحداث بسبب نقصان المستندات التاريخية التي تتحدث عن تلك الفترة من حياة التركمان والتي كانت بمعظمها ذات طابع بدوي وأيضا لأجل غايات درامية يتطلبها هكذا عمل ضخم لكيلا يضجر المشاهد، وقد نجح فعلا الكاتب بتحقيق هذا الهدف.

 

أرى أن كاتب سيناريو مسلسل "قيامة أرطغرل" استطاع مخاطبة العقل السني والقلب الشيعي في آن، وهذه إحدى أسرار نجاح المسلسل.

البعد الوحدوي:

لكن ما لفتني في المسلسل حتى الآن هو البعد الوحدوي الإسلامي الذي طغى عليه وخصوصا على شخصية أرطغرل ابن الشاه سليمان وهو محور المسلسل وبطله والذي قام بأداء دوره الممثل إنجين ألتان دوزياتان. فحتى الآن أنهيت 54 حلقة من المسلسل من أصل 83 ولم أسمع كلمة "سنة" أو "شيعة" أو أي كلام يشجع على المذهبية بين الأطراف الإسلامية. بل حاول الكاتب "محمد بوزداج" جاهدا إظهار أحداث المسلسل بطريقة تظهر ضعف الأمة الإسلامية في تلك الفترة أمام المغول والصليبيين وخونة الداخل بسبب الانشقاقات الداخلية بين المسلمين.

 

هذه الانشقاقات أو الفتن كان لها أرطغرل بالمرصاد وكأن بالكاتب يقول بأن أب الدولة الإسلامية الموعودة كان خلاصا للمسلمين من الفتن ليؤكد حقيقة أن أرطغرل كان قدرا لجميع المسلمين حينها وخلاصا لكي تأتي الدولة الموعودة من نسله وتحقق الوحدة والقوة بين المسلمين.
 

أضف إلى هذا الشيء، تعمد الكاتب مخاطبة الوعي "الشيعي" من خلال استحضار أسماء يقدسها الشيعة وهي موضع احترام وحب عند باقي المسلمين. فافتتح المسلسل بعبارة رددها أرطغرل عند ذكر السيف وهي:"لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار" ودائما عندما تستحضر معالم القوة والشجاعة ترى أرطغرل في المسلسل يستذكر علي بن أبي طالب. أما عند الرحيل أو السفر فتستحضر دعوات كمثل:"فليكن علي رفيقك ولتكن يد فاطمة حاميتك". وعندما يواجه أرطغرل الموت وحيدا كان يستذكر الإمام الحسين وواقعة كربلاء فيقول: "لو سقط ألف حسين فلن يتخلى ألف إنسان عن مبدأ علي". وعلى الجانب الآخر عندما كان يشعر أرطغرل بالضيق والحزن كان يأتي ابن العربي ليذكره بواقعة الكهف التي حصلت مع النبي محمد وأبو بكر الصديق وكيف ساعدهما الله بأضعف وأوهن وسيلة وهي بيت العنكبوت. ووردت قصة لعمر بن الخطاب في المسلسل في موضع إحباط، فاستذكر الفاروق للتأكيد بأن لا يأس من أي إنسان والأمور بحسن خواتيمها. فهذه الإشارات هي مقصودة من كاتب المسلسل والسيناريو وله غاياته من ذلك.

 

غايات هذه الإشارات:

يريد الكاتب القول إن أرطغرل لم يكن سنيا بالمعنى المذهبي أو شيعيا بل كان شخصية إسلامية ورثت ثقافة إسلامية بقيت سائدة حتى قيام الدولة العثمانية. وبالتالي فهو يريد زرع حقيقة أن الإمبراطورية العثمانية كانت تشمل جميع الطوائف الإسلامية وأن والد مؤسسها كان ذو بعد وحدوي وصاحب رؤية، لا يميز فيها بين المسلمين، سنة وشيعة، على الرغم من أن صلاته كانت على مذهب أهل السنة إلا أنه لم يكن بأفعاله وتصرفاته يوحي بأنه سني بالمعنى المذهبي أو الطائفي بل إسلامي ومنفتح على جميع المسلمين. والأهم من كل ذلك هو إيصال رسالة لمسلمي اليوم عبر شخصية أرطغرل الوحدوية بأن طريق النجاح والتطور والمجد يتحقق فقط عبر الوحدة الإسلامية.

 

وجميع المعارك التي خاضها أرطغرل حتى الحلقة التي شاهدتها وتحمل رقم 54 هي معارك تحت عنوان الوحدة وتقوية الدولة الإسلامية المتمثلة حينها بالدولة السلجوقية ومحاربة الصليبيين والمغول وخونة الداخل في قبيلته وقصر السلاجقة وقبلها في قصر الأيوبيين ولم يخض أي معركة تحت عنوان مذهبي سواءً كان صراع سني أو شيعي أو صراع داخل المذهب الواحد. لذلك أرى أن كاتب سيناريو مسلسل "قيامة أرطغرل" استطاع مخاطبة العقل السني والقلب الشيعي في آن، وهذه إحدى أسرار نجاح المسلسل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.