شعار قسم مدونات

إشعال الجذوة بدل ملء الوعاء

blogs - college
يعتبر التلميذ أحد أهم أسس بناء تقدم حضاري عبر تعليمه والاهتمام بتربيته وتكوينه الخلقي، فالكثير من النماذج الحضارية أثبت نجاعة مخططاتها واستراتيجياتها التي بنيت أساسا على تطوير النظم التعليمية وتجويدها لصناعة جيل قادر على حمل المشعل وقيادة النهضة ببلدانهم، أذكر من ذلك نموذج كوريا الجنوبية، إذ لا يمكن الحديث عن المعجزة الاقتصادية والتكنولوجية التي حققتها كوريا الجنوبية خلال أقل من أربعة عقود دون التطرق إلى نظام التعليم بها، بعد أن اتفق العالم على أن وراء كل نهضة اقتصادية واجتماعية نظاماً تعليمياً فعالاً.

غير أن الكثير من الدول التي تعيش ركودا حضاريا مازالت غير قادرة على تجاوز معضلة التعليم وإيجاد حل لها حين انشغالها بمشاكل الاقتصاد و الصحة والتنمية… جاهلة أن نظام التربية والتعليم أداة فعالة في مسيرة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إلا أن التلميذ العربي كان ولا زال ضحية لنظام تعليمي فاشل له خلفيات أيديولوجية، وأهداف تتضح سماتها في العديد من الأمور التي تعكس رداءة المردود التعليمي العربي وتؤسس لمستقبل قوامه التخبط في الجهل والنقص الأخلاقي.

التعليم يكون بالطريقة التفاعلية التي يكون مركزها هو التلميذ عبر مشاركته في الوصول إلى الفكرة وتصحيح معتقداته السابقة، فتبقى الفكرة راسخة في ذهنه حتى بعد اجتيازه للاختبارات.

فالمناهج التعليمية العربية تستهدف بناء نموذج لتلميذ مستهلِك، فارغ معرفيا، يستهلك وفق حاجته لتتم عملية التفريغ وقت الامتحانات، كما أن نوعية المعارف والأفكار المتداولة ماهي إلا أفكار مصطنعة من طرف أيديولوجيات غريبة يتم دسها في عقول التلاميذ دون أي سابق إنذار، فالخطورة هنا تكمن في ادعاء امتلاك المعرفة في غياب أي وعي بخطورة الموقف، ما جعل المستوى العلمي للتلميذ العربي لا يبشر بخير.

والواقع الذي لا يمكن إنكاره يعتبر خير شاهد إدانة مستمر لمستوى الطلاب والتلاميذ، بما تنتجه الجامعات والمدارس في الغالب من شخصيات مهزوزة فارغة من العلم، أمية أو شبه متعلمة، بعيدة عن التفكير والاجتهاد والتبصر بالنتائج والاعتبار بالعواقب، لا تتقن سوى المطالب والتنظير، والمطالبة بالحقوق والتفنن في إهمال الواجبات. وكما أن المطالبة بالحق حق، فإهمال الواجب باطل. وعلى العكس من ذلك تماما، تجد الهدف الأسمى للمناهج الدراسية الناجحة هو بناء الشخصية وبناء الذات الفكرية القادرة على العطاء المتميز في الحياة.

ولا يجب نسيان ما يعانيه المتعلم من غياب لمتعة التعلم و انعدام سؤال الجدوى، فأصبح التلميذ مجرد آلة تستهلك مادة خاما قد تجدها مخالفة تماما لما صنعت من أجله، فكما يقول سقراط :"التعليم هو إشعال الجذوة وليس ملء الوعاء"، وملء الوعاء بالتحديد هو ما يعيشه التلميذ العربي متجليا في قمع قدراته الإبداعية وتطويق مواهبه الداخلية عبر سجنه في قالب الحشو بمعارف نمطية تجعله خاضعا لحتمية التلقين.

فقد يستطيع التلميذ الحصول على نقاط جيدة عن طريق مجرد الانتباه بشكل سلبي لشرح الأستاذ ثم استذكار الدروس على عجالة للتقدم للامتحانات. وعلى الرغم من حصوله على تلك النقاط، إلا أن المعارف التي حصلها في معظم الأحيان تتلاشى سريعا. ولا يمكن لتك المناهج إزاحة المفاهيم المغلوطة التي تكونت في عقل التلميذ قبل التحاقه بالمدرسة.

فمعظم علماء التربية يدعون إلى ما يسمى بالطريقة التفاعلية التي يكون مركزها هو التلميذ عبر مشاركته في الوصول إلى الفكرة وتصحيح معتقداته السابقة، فتبقى الفكرة راسخة في ذهنه حتى بعد اجتيازه للاختبارات، فالتعليم لا يعني تعلم المضمون كشيء يمكن حفظه واجتراره، بل هو مادة أولية تصلح لتشكيل الروابط، ورسم الاستدلالات، وخلق معلومات جديدة… بل هو ببساطة تعلم كيفية التعلم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.