شعار قسم مدونات

وطن النشامى

blogs- اللاجئين في الأردن
كل ما كان يعنيني من الأردن هي تلك الساعات المعدودة التي تنقضي بين حدودها وحدود السعودية في طريقنا إلى بلدي سورية، إلى حين فرضت عليَ الدراسة فيها بسبب الظروف التي اجتاحت البلاد.. أصبحت الأردن الوجهة التي سأقصدها لخمس سنوات متتالية، دون أي دراية عن تلك المملكة التي كلما مررت خلال حدودها و بين أراضيها لفتني منظر العساكر ببذلات أنيقة ووجوه رصينة و نظرات متنقلة حارسة.

الآن وقد انقضت تلك المدة، تحولت الأردن من بلد غريب إلى المكان الذي احتضنني و علمني و أعطاني من العلم و الخبرة ما تمنيته و أكثر، بجمال هذا البلد و طبيعته، من طريق جرش عمان المحفوف بالأشجار الضخمة المنتشرة على طول الطريق إلى أشجار اللوز التي تراها في كل حارة وكل شارع، المشاتل الكبيرة الموزعة التي تملؤها شتى أنواع الأشجار و النباتات و الورود، مع مصنوعات الفخار المتقنة والزهور المعرشة على أبواب كل مشتل، البيوت الهادئة الرائعة ذات الحدائق المنزلية المدهشة، والنبات المتسلق الذي يغزو واجهة البيت ملتفا حول السياج ممتدا على الجدران حتى الأسطح، العسلية اليابانية المتفرعة التي تتدلى من كل حديقة لطالما كنت أقطفها و أتناول قطرات العسل الموجودة فيها.


كل الحب و الشكر لمن كان لنا عونا، و صب في طريقنا كل اليسر و الإحساس بكونه أخا لنا، بعيدا عن كل الحدود التي خطها الغرب فقسمنا، لقد اجتمعنا مجددا في الشدة، و الكثير الكثير من نشامى الأردن برهنوا بحق على أن المؤمن أخو المؤمن.

في كل مكان كانت لي ذكرى و موقف، من عمان إلى مدينة الألف عمود جرش التي شكلت أجمل صورة أثرية معمارية على مر العصور، من شارع الأعمدة و المسرح الكبير و الساحات العامة و سبيل الحوريات، ذاك الطبق الرخامي الكبير المزين بأجمل زخارف هندسية بديعة، إلى أربد التي مكثت فيها ما يقارب السنتين و تعلقت بها تعلقا ظاهرا و حبا كبيرا، لما تحمله هذه المدينة من السكون و الهدوء والبساطة، والسهول الممتدة مع سجاد من ورود الأقحوان البنفسجية و البيضاء، ولا أنسى طبعا خليج العقبة بأجوائه السياحية المبهجة التي قضيت فيه ما يقارب السبع ساعات فقط لكنها كانت من أجمل الأوقات و أمتعها في حياتي.


أما أهل الاردن لا تسعني المفردات أن أعبر عنهم أو أسرد فضائلهم وحسن أخلاقهم و تعاملهم معي و مع غيري ممن أعرفه زائرا كان أم لاجئا، و بالتأكيد بعيدا عن بعض الحوادث الفردية التي لا تعبر إلا عن أصحابها و مفتعليها، فكل مكان و كل مجتمع يضم أفرادا ينبذون المحبة و التآخي ولكن هذا لا ينقص من محبة هذا البلد و أعله، و لا ينتقص من شهامة أهله و كرمهم.


فكل الحب و الشكر لمن كان لنا عونا، و صب في طريقنا كل اليسر و الإحساس بكونه أخا لنا، بعيدا عن كل الحدود التي خطها الغرب فقسمنا، لقد اجتمعنا مجددا في الشدة، و الكثير الكثير من نشامى الأردن برهنوا بحق على أن المؤمن أخو المؤمن، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، شكرا للأردن الرائعة و أهلها.


وأخيرا لن أنسى هذا المكان الذي جمعني بأشخاص كثر، كانوا لي كالعائلة فاعتبرتهم ملاذ كلما شدني الحنين لعائلتي أو بلدي، علموني و أنضجوني و أخرجوا كل جميل في، فشكرا مجددا لكن هذه المرة لإخوتي السوريين و العراقيين و الفلسطينيين فقد جعلتم من الغربة موطنا و من العلم متعة و هونا فيسر الطريق و تعبد، أسأل الله أن يديم الأمن و الأمان على هذا البلد و أهله، و أن يفرج عن بلدي و أهلي كل هم و ضائقة و مصاب و عن كل بلاد المسلمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.