شعار قسم مدونات

هذه حياتنا التي لا نعيش

blogs - social media
دخلت على الانستغرام و بدأت تختار الفيلتر المناسب للصورة، صورة تجمعها بزوجها و ابنتهما، كانت ابتسامة واحدة مرسومة على وجوههم، و نظرة واحدة في عيونهم، كتبت كلمات عن الحب و العائلة و أن الزواج مليء باللحظات الجميلة، هكذا نشرتها و حصلت على 300 لايك و 200 تعليق من الحب و الدعاء و التحيات.

لكن لو نظرنا لما خلف هذه الصورة لوجدنا كيف كانت تصرخ في وجه طفلتها لأنها أوقعت الطعام على الفستان، و كيف كانت متضايقة من وجود أم زوجها، كل الحب و الحنان الذي تحدثت عنه تحت الصورة، كان تلخصه في نظرتها الحادة لزوجها و هي تقول: ابتسم قليلا، لو كنت الآن مع أصدقاءك لسمعنا ضحكاتك من آخر الشارع.


نحن نعيش هذه الحياة مرة واحدة فلنعشها دون أن ننشغل بالآخرين، دون أن ننتظر منهم التصفيق و الإعجاب على أي شيء قمنا به، دون أن نربطها بشيء ما، أو شخص ما، لنعشها كما نشعر بها فقط.

العبرة من هذا أننا نعبد المظاهر، نقدسها، يكفي أن يرى العالم أننا بخير و أننا سعداء رغم أننا لسنا كذلك، أن نلتقط صورة من مطعم فاخر و نشاركها على الفايسبوك و نتحدث عن السعادة و عندما نترك الهاتف تجتاحنا الوحدة و التعاسة، أصبح المهم أن يعرف من يتابعنا أننا نقضي العطل خارج البلد، و نلبس من الماركات، و نعيش قصة حب، و نملك سيارة و ندفع ما نشتري بالفيزا كارت.

أن نلتقط صورة لرواية في قلبي أنثى عبرية مع الستاربكس نشاركها، و نظهر لغيرنا أننا مثقفون و عميقون، بينما في الواقع لا نعرف حتى من كتبها، ما الفائدة في أن تجعل حياتك في الصور مثالية مليئة بالرفاهية و الفرح بينما هي ليست كذلك في الواقع؟ ما حاجتنا لتوثيق اللحظات و نشرها و الحصول على الآلاف الإعجابات إن لم نعشها حقا؟.


نحن عبيد و اخترنا أسيادنا، عبيد للهواتف الغبية، و المواقع التي أوهمتنا أنها اجتماعية حتى صرنا بفضلها أكبر منعزلين انطوائيين، نكتب في أمور لا نفقه فيها شيئا، ندون و نخربش فقط لنبهر الآخرين، نحن عبيد لحياة نعيشها و لا تشبهنا، و لا تمت لنا بصلة، حياة مليئة باللاحياة. 

ليس عيبا أن تشعر أنك مختلف عن الجميع، ربما أنت العادي و هم المختلفون، ربما أنت لست بكائن عجيب و غريب الأطوار عندما تسافر و لا تلتقط صورا، و عندما تتزوج و لا تشارك كل تفاصيل زفافك معهم، و عندما لا تلتقطي صورة من غرفة العمليات بعد ولادة أول طفل لك، و لم تكتبي كيف طلبك حبيبك للزواج.

أنت شخص عادي جدا إن لم تزر معرض الكتاب لالتقاط السيلفيات مع الأصدقاء الافتراضين، و لم تطلب رأي الناس في مجموعة للقراءة حول رواية حبيبي داعشي فتحصل على التفاعل و بعدها لا تقرأها، المهم حقا أن نكون راضين عن حياتنا، أن تكون طبيعية في غياب الانترنيت أو بوجوده، ألا نتفنن في جعل الآخرين يعجبون بها، بينما في الحقيقة هي لا تعجبنا.


ليس من الضروري أن نعجب أحدا، بل الضروري أن نكون معجبين بأنفسنا، باختياراتنا، لنشبه أنفسنا و عوالمنا و أحلامنا لنشبه حياتنا و نتشبث بها كما هي، لأن الآخرين يبقون آخرين لا تقلدهم ليعجبوا بك، و يتقربوا منك لا تخلعي الحجاب لأجل أحد، و لا ترتديه لأجل أحد، لا تلبسي ملابس السباحة و أنت غير مرتاحة لها فقط لترى صديقاتك كيف يمر صيفك، و لا تورطي نفسك في أي علاقة حب أو زواج إن كنت لا تريدين ذلك فقط لأن كل من هن في سنك أصبحنا أمهات و زوجات.

نحن نعيش هذه الحياة مرة واحدة فلنعشها دون أن ننشغل بالآخرين، دون أن ننتظر منهم التصفيق و الإعجاب على أي شيء قمنا به، دون أن نربطها بشيء ما، أو شخص ما، لنعشها كما نشعر بها فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.