شعار قسم مدونات

ليست كل بلاد العرب أوطاني

blogs - gaza
"غــزة، بـكــل مـا تـمـر بـه.. تـبـقـى أجـمـل بـقـاع الأرض".. وقفت عاجزة أمام هذه الكلمات.. ولم تسعفني كلماتي حينها… فضلت البقاء صامتة، ليس عجباً أو رفضاً.. بل بسبب تلك الحسرة التي لم تفارق شعباً بأكمله طوال تسع وستين سنة..

لم أكن أتوقع أن تصل يا صديقي إلى هذا الاستنتاج بهذه السرعة… مشاعر مركبة تملكتني لم أعرف إن كانت فرحاً أو حزناً.. فإنني أعلم جيداً أنك تسعى وتبحث عن فرص أفضل، ولكن أن تصل إلى هذا الاستنتاج يعني أنك على قدر كاف من الوعي، لا يغرك المظهر الخارجي ولا الفخامة ولا "البريستيج"، فأنت وأنا نبحث عن النقاء والسلام الحقيقي، سلام اشتقنا إليه كثيراً… ليس سلام أوسلو ولا سلام محمود عباس.. 

أن تخرج من بقعة أرض محاصرة جواً وبحراً، تقع على خط تماس مع العدو..لتجوب بعدها شوارع الحمرا وصولاً للأرز، لم تكن وحدها كافية لكي تقنع ذلك الشاب الغزاوي بالبقاء هنا.. هنا في لبنان… حالة إحباط تلبسته بعد أن استشعرها من أبناء شعبه المشتت في مخيمات اللجوء.. هو لم يجد أفضل من غزة بعد أن سمع أنين شعبه المتأصل به منذ ولادة النكبة…

هي مأساة التفت حول أعناقنا كالسلاسل منذ الولادة، فلبنان في كثير من الأحيان تجاهل حقيقة أن هؤلاء اللاجئين هم من صنعوا مجده الذي يتغنى فيه.. ولا يزال حتى اللحظة…

كانوا فرحين بوجوده، سعداء به فهو في نظرهم الوطن الذي لم ينعموا يوماً برؤيته… ولكن حالة الإحباط هذه لن يفهمها إلا من عاشر لأيام فلسطينياً واحداً، فهي كفيلة كي توصله لهذه الحالة… أن لا تشعر بالانتماء لأرض ولدت وترعرعت فيها لا يعني أنك شخص عنصري، ناكرا للمعروف.. ولكن معاناة اللاجئين ومآسيهم ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة العاشرة هي السبب… تخيل – يا صديقي – حتى الحرب الأهلية اتهمنا أننا كنا السبب وراء اشتعالها… وعند كل انفجار أو عملية انتحارية توجه أصابع الاتهام للفلسطيني الذي لم يغادر منزله بعد وحتى قبل صدور بيان الشرطة..

أما المضحك المبكي هو أن تفني عمرك وتشقى سعياً وراء لقمة عيشك كي تؤسس حياة كريمة ولكن تحرم من التمتع بها بسبب تلك القوانين العنصرية… فما بالك أن بيتك هو في الحقيقة ليس لك لأنك لا تملكه فأنت لاجئ… لاجئ يحمل ملحفته الزرقاء على الحواجز وإن تدهورت حالته الصحية يحمل كرته الأبيض لتطببه تلك المنظمة الأممية المعروفة باسم وكالة الأونروا بحبة بانادول .. وهذه أمثلة بسيطة لا ترتقي أبداً إلى الواقع الحقيقي..

هي مأساة التفت حول أعناقنا كالسلاسل منذ الولادة، فلبنان في كثير من الأحيان تجاهل حقيقة أن هؤلاء اللاجئين هم من صنعوا مجده الذي يتغنى فيه.. ولا يزال حتى اللحظة… نحن لم نختر طريقنا بل أجبرنا عليه، ووجدنا أنفسنا بعيداً عنك.. عن الوطن.. عن غزة العزة، حيفا ويافا وعكا… فحصارك – يا صديقي – في تلك البقعة أرحم من أن تختار طريقنا، طريقاً لا يعرف النهاية..

كذب من قال أن كل بلاد العرب أوطاني.. ارحل متى تشاء إلى أحضان الوطن.. فهو كفيل برغم ما يمر به بأن يرعاك ويعطيك السعادة التي لطالما حـلمنا بها..hohh

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.