شعار قسم مدونات

عن يوم اليتيم والمتاجرة بمشاعر الأيتام

مدونات، اليتيم

-مبدأيا.. استفز مشاعري العنوان الذي أنا بنفسي قد اخترته ولكن! هذا هو الوضع العام. تضج صفحات التواصل الاجتماعي منذ بداية إبريل في انتظار الجمعة الأولى من إبريل لاستكمال مسلسل اللطف وكم نحن so cute جدا ونعتني بأيتام المجتمع! والكثير من البوستس التي تحمل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" وضم إصبعيه.

فهل كان الرسول يعني كفالته في يوم واحد؟ لا بالتأكيد. بحكم عملي كمصورة كنت أغطي أحد الحفلات. مبدأيا كان قد جيء بأطفال لإحياء حفل زملائهم وطلبوا مني أن اختار لهم آيات من القرآن تتحدث عن اليتامى فرفضت رفضا قاطعا. ألا يمكنكم أن تستفتحوا الحفل بأية آية مباركة أخرى! كفوا عن هذا أرجوكم! بعد القرآن والأحاديث والأشعار و..و..و.. أخذ المتحدث الرئيسي الميكروفون "أتينا اليوم لنحتفل بالأيتام ونكرم الأيتام"..الأيتام ليسوا ناقصين! حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتيما. والإمام الشافعي أيضا كان يتيما (والكثير من مشتقات اليتم وتصريفاته) حتى أنني فكرت ساخرة أن هذا الرجل قد يدخل موسوعة جنيس كأكثر من قال كلمة أيتام في العالم!
 

هل فكر أحدكم أن ما تفعلونه في هذا اليوم تفعلونه لأنفسكم وليس لهم؟ تريدون الشعور بالرضا عن ذواتكم وتغمركم مشاعر العطف والشفقة والحب. وتنتفخ صدوركم فخرا بأنكم رسمتم ابتسامة على وجوه الأطفال

هل فكر أحدكم ماذا يريد اليتيم حقا؟ ليس ألعابا ولا ملابس جديدة ولا يوما من اللطف الزائد المؤدي إلى الغثيان ثم تركه منبوذا طيلة العام بعد ذلك. هو يريد فقط أن يتوقف العالم عن معاملته كيتيم. هو يعرف تماما ما ينقصه فلا داعي لتذكيره به. هو مثلا يريد عندما يذهب زملاء صفه في رحلة أن يذهب معهم ولا يريد نظرات زملائه الممتلئة بالشفقة حين يتركونه وحيدا وأعينهم تقول "لم يأت لأنه يتيم"  والأسوأ هي نظرتهم التي يواسون بها أنفسهم إذا أُخذ وحيدا في رحلة أو تسلم لعبة ما دونا عنهم "لا بأس.. فهو يتيم!".

هل فكر أحدكم أن ما تفعلونه في هذا اليوم تفعلونه لأنفسكم وليس لهم؟ تريدون الشعور بالرضا عن ذواتكم وتغمركم مشاعر العطف والشفقة والحب. وتنتفخ صدوركم فخرا بأنكم رسمتم ابتسامة على وجوه الأطفال. لكن في الأصل من يبتسم هو أنتم. هذه أنانية! وليست حلا لمشكلاتهم بل مشكلاتكم أنتم. حل لقلوبكم البائسة التي تشعر بالتقصير فتختزل واجباتها في يوم واحد بالعام. هل تظنون أنكم هكذا قد أديتم واجبكم تجاه أيتام الأمة؟! وأنكم تستحقون لقب كافل اليتيم ومجاورة النبي في الجنة. لا والله لا!

لنتطرق إلى مفهوم الكفالة. الكفالة لغة تعني: الإلتزام. وكونك كفلت طفلا يعني أنك قد تعهدت أمام نفسك وأمام الله بأنك ستعتني بتعليمه وملبسه ومأكله ومشربه وحتى تربيته وتنشأته. الأمر ليس مالا يدفع. الأمر التزام وإحساس بالمسؤولية تماما مثل أولادك الذين هم في عيالتك و"كفالتك" هب أن الله رزقك طفلا زائدا! أن مثلا ولديك الاثنين صاروا ثلاثة. ضم هذا الطفل إليك، إلى صدرك، اهمس له أنه في حمايتك ورعايتك وأن لا أحد يستطيع إيذائه أو إحزانه، إذا خرجت في نزهة مع أولادك خذه معكم كأخ لهم في الدين وأخ لك أيضا ولكن في صورة ابن صغير.

إذا أتى وقت شراء ملابس العيد اشتر له أيضا ولا تعطه بقايا ملابس لأنه يتيم. إذا أتى وقت التنشئة والتعليم اجلسه أمامك وبين له ماذا يجب أن يفعل وماذا يجب ألا يفعل. "كفرد كامل سوي فاعل في الأمة" لا تعامله على أنه أقل منك درجة لذلك تنحني اليه لتمسح على رأسه. انت تنحني له لأنه أكرم عند الله عز وجل منك وخاطره عند الله أعز منك. وأبدا، أبدا لا تجعله يذهب لحفلات يوم اليتيم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.