شعار قسم مدونات

عن حُلم المُلا المجنون

مدونات - الملا المجنون

كونه يتملك العلم والحكمة؛ فهو مُلا. وكونه يرفض الخُضوع؛ إذن فإنه مجنون. لهذا السبب البسيط ينعته المستعمر البريطاني باسم "المُلا المجنون". شجاعته، قوته، هيبته، وشخصيته القيادية كافية تماماً ليمنحه الشعب الصومالي اسم "الزعيم". إنه الزعيم محمد عبد الله حسن "المُلا المجنون".

الناطق بالحق رغم قلة تابعيه، والمحارب في المعارك بأيدي عارية، الوفي الذي يخشى من خسران جيشه، المنخرط بالمتاعب لصرخة أحدهم ظُلماً، وحامل راية الوحدة فكان هو أول حامليها.

كافح من أجل اسم الوطن، وحفر حُلمه بجدار التاريخ الصومالي، وضع هدفاً لشتات الوطن الضائع بين المستعمرين الثلاث آنذاك. كان شاعراً ومحارباً؛ لم يكن لساناً يتلو الأشعار دونَ فعلٍ، بل كان أفعالاً تتشكل الأشعار له، جمع بين الفن والشجاعة. فأصبح أُسطورة لدى الشعب الصومالي، يمجده التاريخ.

كَلمات المستعمر، وصوت الشعب المهزوم، لم يكن سبباً كافياً لترك حُلمه الوطني. استمر بما كان يُفكر به إلى أن حان أجله. مات محمد عبد الله حسن، رقد جسده تحت التراب، لكن أفكاره كانت على قيد الحياة.

رُبما كان المتمرد الأول ضد المستعمرين، قاده الحماس لإعداد جيش لمحاولة تحرير الأجزاء الصومالية من ظُلم المستعمر. حاول في شمال مرة، ليخوض حرباً أخرى في الجنوب. وفي حياته خاض ثلاث معارك ضد المستعمرين؛ حوض الدم، بير طغة، وعفاروينة. وقد استطاع فيها كَسر شوكة المستعمر.

وكما يُذكر على صفحات التاريخ. أثناء المعركة الثالثة، قرر المستعمر أن يعترف بتلك الحقيقة بأنهم هُزموا شر هزيمة أمام المُلا المجنون مراتٍ عديدة. فأقاموا على الدراويش "جيش المُلا" بإمطار النيران في المعركة عفاروينه، والتي كانت المرة الأولى التي يستخدم المستعمر هذه الحيلة في أفريقيا، وكانت كُل هذه الجهود لتخلص من الدراويش والمُلا محمد عبد الله. والجدير بالذكر أن هذه الحيلة كانت تعاوناً من المستعمر الإيطالي والبريطاني، لسحق المُلا وجيشه.

لكن، الكفاح أحياناً، لا يصنع النجاح ولا المعجزات. كانت الصومال بأكملها تُعاني بسبب خير أعماله، يتلقون الظُلم أضعافاً وراء ما جنته يداه لأجل الشعب الصومالي، وكُلما تَحل إحدى المعارك بين الدراويش والمُستعمر يَفرضون على الشعب ما لا طاقة لهم جراء ما اقترفه المُلا، فاستسلم البعض وأخذوا لمحاولة محاورته لإخماد فكرته. وكما حاربه بعض شيوخ القبائل لأفكاره وأعماله للشعب الصومالي.

كان ذراعه الأيمن إسماعيل مري يتلقى من الشعب الشكاوي لإنزال سيوفهم وترك المعارك مع المستعمر. وذات يوم دخل على رفيقه المُلا منكساً رأسه حزين الوجه، ليسأله الزعيم عن ذَبلان وجهه وحزنه، فأجابه بقصيدة يَنشد فِيها عن شكاوي الصوماليين لإيقاف حُلمهم.
 

كَلمات المستعمر، وصوت الشعب المهزوم، لم يكن سبباً كافياً لترك حُلمه الوطني. استمر بما كان يُفكر به إلى أن حان أجله. مات محمد عبد الله حسن، رقد جسده تحت التراب، لكن أفكاره كانت على قيد الحياة، أما جثته فكانت مطلوبة لدى المستعمرين، إلى أن أخفوها الدراويش الأوفياء ونقلوا جثته إلى مكان آخر لا يعلمه أحد.
 

ذهب الزعيم ورحل وترك لنا حُلمه الذي أَورثه للشجعاء الطامحين مثله، فتشكلت من بعده العديد من الأصوات المطالبين بالحُلم الصومالي لوحدة أراضيها واستعادة الوطن من أيادي المستعمرين. والصومال اليوم بأكملها مدينة لتمرد المُلا وللدراويش كذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.