شعار قسم مدونات

تساؤلات بعد فيلم ليُون

blogs - فيلم ليون _ البطل مع والدته الهندية
فيلم لِيُون هو فيلم أسترالي مستقل، يحكي قصة مستوحاة من أحداث واقعية من رواية A long way home، وهي عن طفل هندي ذو خمسة أعوام يتيه من أهله بطريقة ما، حتى ينتهي به المطاف في ملجأ للأيتام والتائهين، حيث يتم تبنيه من قِبل أسرة أسترالية ويذهب ليكمل بقية حياته هناك، بعد ٢٥ عاما يحدث أمر يعيد ذكريات الطفولة من ثم رحلة البحث عن أهله، فينجح في ذلك.

خلال مشاهدة هذا الفيلم وبعد الفراغ منه، يمتلئ الشخص بكثير من المشاعر والأفكار والذكريات، وعلى سبيل المثال أمسيتُ أضحك على تلك اللحظات التي كنتُ أصدق فيها والدتي عندما كانت تقص علي وتبث الخوف والشكوك داخلي بأنني لست ابنتها وأنهم وجودني أمام المسجد أو أمام باب بيتنا ومع كثير من الاختلاقات الأخرى، فتتوقف بمجرد رؤيتها دموعي أو صراخي المعبر عن الرفض والتكذيب، فيجعلك الفيلم تستوعب أنه من الممكن حدوث ذلك، وأنه من الممكن أن تكون هذه هي الحقيقة، لولا أن هذا المشهد من أكثر سيناريوهات الدراما الخليجية تِكرارًا.

لا أغفل عن تذكُّر أطفال الشوارع المنتشرين في شوارع الخرطوم، عند إشارات المرور والطرقات، يشحذون متخذين من الشارع بيتًا لهم، فتتساءل هل هم تائهون أيضا أم مختطفون أم تم إجبارهم على فعل ذلك من قبل أهاليهم أو رؤسائهم إن صح التعبير؛ ولا أنسى أن أتذكر الكم الهائل من منشورات الفيسبوك عن الأطفال المصريين المفقودين سواء تائهون أو مختطفون، والذين شوهدوا مع نساء شحاذات على أنهم أبناؤهم، الأمر السعيد أن هناك من يجدون فلذات أكبادهم من خلال تلك الصفحات.

عندما نتغرّب عن بلادنا تتشكل لنا هوية مزدوجة بين البلدان التي عشنا فيها؟ والتي يعود أصلنا إليها؟ فأقول نعم تتغير فعلاقاتك، ذكرياتك، والثقافة التي نشأت فيها ومنها والصور التي تُشكِّل الوجدان.

أما شق الأهالي والأشخاص الذين يفضلون التبني عن الإنجاب، فأغلبهم يحملون نفس الفكرة، فعندما كنت أتحدث مع صديقي عن أن ابنة أخي تم تسميتها زِينه بكسرِ الزاي، فهكذا ينطقون هذا الاسم في السودان وليس كبقية البلدان، عبّر عن مدى حبه لهذا الاسم وأن الفتاة التي سوف يتبناها سوف يسميها زِينه أيضا، فتعجبت من قوله (يتبناها) فسألته مستفسرة عن ذلك فأجاب أن هنالك كثيرين من الأطفال الذين يعانون، من هم بلا مأوى دافئ أو أُسر، وليس هناك داعي لجلب أطفال جدد لهذا العالم ما دام هناك فرصة توفير حياة كريمة لبعض فاقديها، وهذا أيضا كان رأي والدة البطل بالتبني.

وهذه النقطة أيضا تجعل المرء يبدأ في التساؤل عن ماهية الأم والأمومة، أوليس الأم هي من نشأت تحت تربيتها وتعوّدت على اُسلوب حياتها أم الأم هي الأم البيولوجية؟ والحقيقة أن اثنيهما أمهات لكنّ الجزاء الأكبر يعود لتلك التي لها فضل التنشئة، التربية والتعليم؛ الفرق في أن بطل الفيلم يحمل في وجدانه الاثنين، لأنه لم يفترق من أمه في أول أيام ولادته ولوجود ذكريات ومشاعر ولحظات للاثنتين.

من أهم مشاهد ومعطيات الفيلم هو أن البطل اعتبر نفسه أستراليًّا لأنه في الحقيقة فقد كل ما يربطه بالهند حتى اللغه التي كان لا يفقه غيرها طفل الخمسة الأعوام، وهذا يجعلنا نتّفكر في ماهية الأوطان والهويات (فسارو) بطل الفيلم ذو هوية هندية وذو هوية أسترالية، وربما الأسترالية تطغى لكثير من الأسباب، لكن هل عندما نتغرّب عن بلادنا تتشكل لنا هوية مزدوجة بين البلدان التي عشنا فيها؟ والتي يعود أصلنا إليها؟ فأقول نعم تتغير فعلاقاتك، ذكرياتك، والثقافة التي نشأت فيها ومنها والصور التي تُشكِّل الوجدان، جميعها تصنع هوياتنا.

بعد مشاهدة الفيلم انبثقت كل هذه الأفكار والتساؤلات، وإن دل ذلك على شيء فسوف يكون من أجل مدى جودته وصدق قصته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.