شعار قسم مدونات

الصحابة.. نموذج في التجديد

BLOGS- التجديد
كان الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم يجددون باستمرار.

– تجديد إيمان و ذلك عنهم من المعلوم بالضرورة.
– تجديد دعوة، فكانوا يجاهدون الجبابرة ليفتكوا رقاب الناس منهم و يبلغوا كلمة الله عز و جل، ثم إنهم انتشروا في الأرض يعلمون الناس الخير و يدلون على الله بالحال و المقال، و غالبوا رضي الله عنهم واقعا جديدا إذ كثر الأعراب من مسلمة الناس، فكان أن نقضت عروة الحكم و أخذ الناس الدنيا و فاز الصحابة بالقلوب و تخرج من مدارسهم الكبار من الأولياء و المجاهدين و العلماء العاملين.. ذلك جيل التابعين.

– تجديد سياسة، و ذلك أنهم قعدوا مبادئ الحكم الرشيد بل و طوروا مناهج في فصل الخلاف على الشرعية السياسية و تدبير الأموال و تسيير الجيوش و إدارة المؤسسات و الأقاليم.
– تجديد اجتهاد، فكانوا أعلم الأمة و أعملها بأصول الفقه و مقاصد الشريعة و فقه الواقع و حسن تنزيل الأحكام و الاجتهاد الجماعي و تحري الصلاح في المجتهد قبل الكم المعرفي، و التمييز بين الديني و الدنيوي، و الثابت و المتغير.

لا شك أن مزية جيل الصحابة كورثة مباشرين للنبوة لا يمكن أن تتكرر، و هنا يظهر جليا أن المهمة الملقاة على عاتق الأمة بعد كل انحطاط مهمة عسيرة لكنها غير مستحيلة، و الحمد لله الذي جعلنا أمة الرسالة الخاتمة.

– تجديد في طلب الضروريات من جانب الوجود و حفظها من جانب العدم.
– لقد كانوا قائمين بالقسط و كفى، و إن كان الحديث النبوي يخبرنا بأن الله عز و جل يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها عند كل مائة سنة، فإن هذا الحديث ليس نصا في عد المائة سنة حسب التقويم الهجري أو منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم، أو غير ذلك.

من جهة أخرى، فإن تجديد الصحابة كان بإبقاء الدين جديدا غضا طريا، فكانوا استمرارا للتجديد النبوي، أي انهم ثمرة طيبة لغراس رسول الله صلى الله عليه و سلم، فنجاحهم كتجربة بشرية صنعها الوحي و رباها النبي الخاتم صلى الله عليه و سلم، إنما هو من معجزات الإسلام و آياته العظمى، هذا و يمكن أن نضيف تدقيقا لمعنى التجديد في زمانهم و هو: "الاجتهاد الدائم في رعاية مقاصد الشرع و حفظ أصوله بما يصانع الواقع الإيمانية في النفوس و الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي .. في الآفاق"، فجعلوا القرآن والسنة بوصلة الاهتداء في عملية التحسين المستمر، وكما قلنا، هم ميزوا بين الثابت والمتغير بشكل تفوقوا فيه على من بعدهم، ولهذا تقرأ (ثم تكون خلافة على "منهاج" النبوة).

أما تجديد من بعدهم فهو تجديد إما أن يكون جزئيا، أو متنقلا من مدرسة لأخرى أو من مجال لآخر، وإضافة إلى ذلك هو تجديد بعد انحراف. ذلك أن معنى التجديد في الأصل: إعادة الأمر كما كان، ثم ما يلبث أن يعود الأمر "ليتغير"، حتى وقع الانحطاط. فلم يكن التجديد بعد زمن الصحابة استمرارا لتجربة بقدر ما كان محاولة دائمة للاستئناف بعد انقطاع، و لا شك أن مزية جيل الصحابة كورثة مباشرين للنبوة لا يمكن أن تتكرر، و هنا يظهر جليا أن المهمة الملقاة على عاتق الأمة بعد كل انحطاط مهمة عسيرة لكنها غير مستحيلة، و الحمد لله الذي جعلنا أمة الرسالة الخاتمة.

وإن جاز لي لقلت: إن التجديد محاولة جماعية-لا بد منها- لإحياء معاني النبوة و وظائف الرسالة، اقرأ: ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت) و المطلوب منا الآن اكثر من أي وقت مضى أن نفهم أن التجديد مهمة جماعية بل (مهمة الأمة كلها)، هذا أولا، و ثانيا: التجديد ليس لحظي بل هو عملية دائبة و متعددة المجالات، و ينبغي أن تكون عابرة للطوائف المسلمة، و المبادرات الدعوية، و التشكيلات الحزبية، و المؤسسات الراشدة (أي التي تصلح و لا تفسد ) سواء كانت رسمية أو غير رسمية.


و إن تسألني كيف؟ أتفكر في: (الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله ؟، قال لله و لكتابه و لرسوله ولأئمة المسلمين و عامتهم) 
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.