شعار قسم مدونات

هل جربتم إحساس الخيانة؟

blogs - sad man

هذا الرجل المخلص الذي يتحاكى الحي ببريق قلبه وطهر كلامه ومساعدته للناس يجلس كعادته كل مساء في مقهى الشارع يتحدث إلى روحه الطافية ويرتشف مشروبه المعتاد وقد تجاوز في ذلك عشرين عاماً. ثم يجيب على أعين السائلين الذين يسألونه بلا حروف ولا إخبار كل ليلة: أخبرنا عن الذي قتلك هكذا؟
فيحني ظهره على نفسه وينظر إلى أسفل قدمه ثم يقول:

سبحانه لما خلق الكون وجعل فيه من تشريعاته ما يقوم به أمر الناس ويرتدع به فاسدهم، رتب المعاصي علي قدر تأثيرها في المجتمع بالسلب، وبناء على ذلك تكون عقوبتها. فعقوبة كشف العورة ليست كعقوبة قذف النساء بالباطل فالذي ترتب على الأولى من مفاسد لا يقارن بما سيصنعه الثاني من فواحش وفتن. ففي قوانين الدين كانت الخيانة من أشد المفاسد التي يعاقب مرتكبها عقوبة منقطعة النظير!

لذلك ينظر الناس إلى ذلك المدعو (الخيانة) كأنه شيء يعد في حساب الخطأ والسهو وكفى، ولكنكم لو نظرتم يا سادة لكل ضحية تم وأدها في كل عصر من عصور الإنس على هذه الأرض، لوجدتم أن الخيانة كانت هي السلاح الذي قتل والشيطان الذي سول واليد التي فعلت. وسيظل هو السلاح الذي يهدم أمماً ويفتك برايات، ويعصر قلوب رجالٍ كنا نحسبهم جبالاً لا تهمد، أهمدتهم الخيانة! لذلك كانت عقوبتها في كل الأديان أن يكون صاحبها ممقوتاً شريداً في أسفل درجات النار.

كل ضحية هنا قابع مثلي في مقهى الخيانة مقتولاً كان أو مجروحاً، مصدوماً كان أو مقهوراً هو ضحية خيانة ما، أياً كان سبيلها كلهم ذو وجه واحد ذو روح واحدة لا يفرق بينهم سوى طريقة الخيانة. فالسبل تتعدد وتكون البداية واحدة، والسيقان تتفرع وتبقي البذرة واحدة، والخائنون يستنشقون أنفاس الخيانة كل ليلة ولا يهمدون، وأما هؤلاء فأؤكد لكم أنهم والله لا يتمنى واحد منهم لأي بشر أن يشعر بمثل ما مر هو به.

بم يشعر الخائن يا ترى؟

كلماتها العذبة كانت سراباً محفوظاً منمقاً تبتغي بها غاية لها استحلت من أجلها روحي وفتكت بها، الدين كان مزيفاً، الجمال كان مزيناً، وأما أنا فما أنا إلا بواقي رجلٍ يجلس على هذا المقهى.

لأجل ماذا يخون الناس! هل هناك داعٍ خطير عظيم يستحث الشخص أن يفتك بقلب رفيق مخلص؟ وددت أن أطوف على كل رجل وامرأة نقضوا عهداً لهم، وأسألهم بخالقهم ما الذي جعلكم هكذا بشراً بلا قلوب، أجساداً بلا أرواح، ميتون أنتم تأكلون وتشربون، أي مقابل هذا دفعكم لتلك الفاحشة؟ أهو مال أعطيكم إياه وترحلوا! أهو جاه أسلمكم ما أوتيت من مفاتيح وسلطات وتعودوا حيث أتيتم! أهو جمال أنزع لكم خلقتي وتصير لكم!

شعور سحيق مخيف ينتزع الفرد من أروقة الحدائق والأمان إلى أنفاق الخوف وانعدام الثقة وقلة الرغبة في الحياة، تتحول خلايا الثقة فيه إلى شظايا خوفٍ من كل الناس، يعيش في وطن روحي مليء بالحرب والفزع والقتل، كل ليلة يقتل ويموت ولا يكفنه أحد في ثوب الحنان، يرتمى كل ليلة على فراش التردد والمرض النفسي البئيس، وليس هذا فحسب فالأمر جد صعب وعميق. (الشعور بالافتراس والسعادة بالانتهاك) أهذا الذي تشعرون به؟ لقد سامحناكم على خيانتكم ولكنه والله ستتبعكم لعنات أرواحنا التي وأذيتموها مهما فررتم ومهما نسيتم.

بم يشعر المخان؟
شعور قاتل يدخل فيه الواحد منا عندما يرى نفسه وسط مكعب ذو ستة حوائط، ينظر تحته يرى إخلاصه وحبه الذين قدمهما لحبيبه بلا مقابل وكيف طعن من هذا الباب، يتطلع فوقه ليرى الأوهام التي بنى بها بيوتاً من نعيم وسعادة وعن يمينه الدين الذي لم يحفظه هذا الخائن، وعن شماله ثقته فيه، ومن ورائه الماضي بما فيه من معارك وأمامه المستقبل خاوياً ليس فيه شيء، ثم ينظر المخان لقلبه يجده دامياً ينفث قهراً، يتمنى أن يتوقف عن النبض ولا يعيش ما هو فيه من ألم بطيء، حياة ميتة كبحيرة مليئة بالدماء ليس فيها خير، هواء عديم ليس له طعم، رجل راكع لا يتمنى شيئاً غير النسيان، النسيان أو الموت.

ما الذي حدث؟
الذي حدث هو أنني قابلتها فأحببتها، أحببت عفتها ودينها، عشقت روحها وتفاصيل وجهها، تركت ما كان بيدي وركزت فقط أن أقضي ما بقي لي من الحياة متطلعاً لنور وجهها، كل الآمال صارت هي، لا حياة إلا معها، هي والله روحي التي بحثت عنها طيلة عمري، عافرت وحاربت لأجل أن أقلص المسافات التي بيننا، فلما انصرفت إلى عمل لها في شركة ما، قل اهتمامها بي، لا ألتفت إلى الشك فربما مشغولة، ربما أزماتها عميقة، ولكني لن أتركها، قررت هي أن تبيع ولكن لماذا! أنا أحببتها أكثر من روحي وهي أخبرتني أني رجلها الأول والوحيد، أخبرتني يوماً أنى قطعة من روحها ولن تستطيع العيش بدوني لكنها استطاعت.
 

أخبروني أن رجلاً ولد في الفترة التي ولد بها أبي يخطبها وهي قد وافقت وعلى علاقة معه منذ شهور، أنا لا أصدق هذا، حتى هي أنكرت، بحثت وتتبعت حتى وجدت الحقائق المفزعة (شخص كاذب مخادع)، كنت أبحث عن براءتها بكل قوتي، لا أريد أن تهتز هذه الهالة التي بنيتها حولها، حتى اعترفت بعد ضيق السبل بها. كل هذا كان وهماً، كلماتها العذبة كانت سراباً محفوظاً منمقاً تبتغي بها غاية لها استحلت من أجلها روحي وفتكت بها، الدين كان مزيفاً، الجمال كان مزيناً، وأما أنا فما أنا إلا بواقي رجلٍ يجلس على هذا المقهى، ولكني لا زلت وفياً لتلك الأيام التي صحبتنا بحلوها وعلقمها، كانت أياماً ذات رونقٍ وجمال.
 

شعرت كأنني الصبي الذي يهيم بزميلته في المدرسة وكل غايته أن تشير إليه بأناملها كل صباح، عشت حياة زهرية بنيت عليها كل أحلامي، اخترنا معاً أسماء أبنائنا، فكرنا في تفاصيل بيتنا، سحبتني معها إلى سحبٍ من سعادة في سماء الحب والغرام، ولكني لم أكن أدري أن ما أشعر به هو مجرد حلم يخصني وهي مجرد خائنة كاذبة، ولكني بكل أسف أحببتها. ثم يستأنف حديثه الميت قائلاً: لا أريد الانتقام، سامحت كل الخائنين، لم تعد لي آمال هنا، كل ما بنيته صار ركاماً، كل ما شيدته مع حبيبي كان سراباً لا ينظر الواحد فيه إلى شيء غير أني كنت أنظر فيه ورضيت.

أيها السادة: أرجوكم لا تخونوا ولو وصل بكم الأمر إلى كل سبل الشيطان لا تخونوا، أطوف على بيوتكم أقبل رؤوسكم لا تخونوا، فقلوب الناس ربما تكون بالقوة التي تجعلها تتحمل صعقة من كهرباء لكنها والله لا تتحمل خيانة من أحدكم. لا تخونوا، ساعدونا على أن نحيا حياة بلا خيانة. وارتمى بظهره على كرسيه الذي كان ولا زال وفياً له أكثر من الناس وقال: سعيكم مشكور ثم مات. ولكنه موت غير الذي يعرفه الناس، موت يموته كل ليلة، يعود إلى مضجعه وكأنه قبر معتم بلا حساب، والسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.