شعار قسم مدونات

هل أخشى القذائف؟

blogs - gaza
صغيرتك المدللة يا أُمي كبُرت وأصبح عمرها ثلاثة حروب، بالإضافةِ إلى انتفاضة وتعيش في ثورة انتفاضة ثانية، صغيرتك يا أُمي شاخ قلبها وجعاً كقلب مدينتها الجميلة، تسريحة شعرها لم تعد بجمال سابقتها، لماذا يهرب المشط من يديكِ وأنتِ تسريحها لحظة دخول الطائرات؟ لماذا حضنتني لحظة سقوط الصاروخ؟ لماذا امتزج فستاني الأبيض بلونٍ أحمر لحظة تطاير الشظايا؟
يا دفء الروح ما ذنب أيامي التي أرسم لها الفرح أن تخشى من الحياة بعد اليوم! الألعاب التي ألهو بها يا أمي تغير شكلها، حتى عدد أفرادها تقلص حد الاثنين، تلك التي باعدتها القذائف برفقة والدها عن عالمنا، وأخريات أبعدهنّ الرماد عن مكان سكننا ولم تعد حتى هذه اللحظة، وغيرهنّ فور سماع أصوات الغربان "الطائرات" التي تحلق في السماء يغادرن على الفور إلى بيوتهنّ خشية القصف.

اعلمي يا أمي لا أمان سوى بجانبك؛ كم من قذيفة سقطت وارتميت بين أحضانك كالطفل الرضيع، كم من صرخت دوت مكان سكننا تلاها مكان هجرتنا بسبب القذائف العمياء، نعم عمياء! لا تدري أين تذهب، ربما نحو مكاني، أو نحو مكانه، في تلك الزاوية، أو ذاك الاتجاه

حتى فرح التي يساوي عمرها عمر الحروب الثلاثة سرقتها الصواريخ منا وقتلت ضحكتها، غيبت جمال وجهها عنا، أشاهد طيفها في كل ضحكة بريئة كلما مررت بطفلٍ صغيرٍ يشهق ضاحكاً وسط الركام، أم تلك التي وهبت لأهلها الحياة وأذابت جسدها الناعم قذائف الموت الإسرائيلية. يا نبض القلب أصبحت أدرك كافة أنواع الطائرات فور سماعنا بتحليقها، أي طراز هذه التي تحوم في سمائنا وبشكل مغير أم اعتيادي؟ هل هذه الطائرة قديمة أم حديثة؟ قبل سنوات كانت أم لا؟ هذه التي قصفت بيتنا القديم أم غيرها؟ ربما كانت طائرات الاستطلاع والــ F16 هنّ المتهمات في ذلك؟ هذه الأسئلة تدور في مخيلتنا على الفور!

لكن يا أمي فؤادي في حيرةٍ من أمره! أن تعيش وسط حرب ووسط الموت وصواريخ الطائرات التي اعتدنا عليها، فالكل بات يدرك أن الطائرات تعلم أهدافها المحددة، وتضرب الصاروخ حسبما تريد هي؛ إن سمعته يا أمي فهو ليس تجاهنا، لسنا نحن الهدف المطلوب لها، ولكن عليّ أن أخشى شظاياها؛ فالذي يسقط من علو تنتشر شظاياه بسرعة البرق.

لم أتمنى الموت لحظة يا أمي ولكن؛ أخذت أرفع يدي نحو السماء وأدعو أن تنتهي حياتي بصاروخ من طائرات، مع أنه أشد وطيساً من القذائف التي تقذفها المدفعية المتمركزة فوق أرضنا المسلوبة شرق مدينتنا الحزينة غزة، لكنها تسقط لحظات الخوف الشديد، حينما نفقد الحياة، ولم نرَ سوى الحمم البركانية التي تخرج فور التهامها الأرض.

اعلمي يا أمي لا أمان سوى بجانبك؛ كم من قذيفة سقطت وارتميت بين أحضانك كالطفل الرضيع، كم من صرخت دوت مكان سكننا تلاها مكان هجرتنا بسبب القذائف العمياء، نعم عمياء! لا تدري أين تذهب، ربما نحو مكاني، أو نحو مكانه، في تلك الزاوية، أو ذاك الاتجاه. يا ملاذي لم تبوحيِ يوماً قط أنني جبانة أو أخشى القصف، لكن الحقيقة يا أمي إن نجوت نهاراً من حممها فإنني أنام وتحت وسادتي خربشات كلماتي التي أدونها قبل نومي علها تواسي فراقي، فلا أدري؛ هل سأستيقظ لأبصر الحياة أم ستسقط تلك القذائف الإسرائيلية فوق سريري وأنا أغرق في النوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.