شعار قسم مدونات

لم تكن بيوتنا يوما إرهابية

blogs - aleppo
لم تكن بيوتنا إرهابية… عين الفيجة (وادي بردى) كانت تلك هي الكلمة التي جالت في خاطري عندما نظرت إلى المنازل في قريتنا التي باتت محطمة. بعد أن استمرَّ القصف على وادي بردى وبالأخص قريتي عين الفيجة لأكثر من 36 يوماً؛ هدأت العاصفة بتوقيع اتفاقية بين المسلحين والجيش النظامي، تنصُّ على عودة الأهالي إلى القرية وعودة المياه إلى دمشق مقابل خروج المسلحين إلى إدلب مع عائلاتهم.

كنت أستمعُ إلى الأخبار بصمتٍ شديدٍ وأنا اشاهد صوراً وفيديوهات لعناصر الجيش داخل نبع عين الفيجة! لم أكنْ حزيناً وكذلك لم أكنْ فرحاً؛ لقدْ كنتُ في جمودٍ عميقْ! لمْ يعدْ هناكَ ما يفرحنا جميعاً أو يحزننا بعدَ كلّ الشهداء الذين قضوا حياتهمْ، وبعدَ كلّ الدمار الذي حصلْ. كنتُ أسمعُ نفسَ الكلمةِ تكررُ مراراً على مسامعيْ "يا رب نرجع على بيوتنا"؛ لقدْ أصبحتِ العودةُ إلى المنازلِ حلُماً بعدَ تلكَ المعارك وبعدَ كل الدمارِ الذي سبّبه النظام للقرية كاملةً.

لم أكنْ لأميّزُ منزلنا لولا تلكَ الرّسمةُ الصغيرةْ التي وبّختنا أمي وقتَها لأننا قدْ "وسّخنا الحيط "! فقد كانَ المنظرُ مؤسفاً لكلّ المنازل!

في ذاتِ اليوم! وصلتْنا بعضُ الصُّور للقرية وللمنازل! كنتُ أنظرُ إلى تلكَ المنازلِ المحطّمة والجدران التي أصبحت فتاتاً على الشارع، والطرقاتُ التي أصبحت غيرَ مزفّتةْ، وإلى المنشآتُ التي شيّدتها فرنسا وأصبحتْ آثاراً، حيث أًصبحتِ اليومَ بضعةَ أحجارٍ يسندون بعضهمْ كي يستمرّونَ بالوقوفْ! الغريبُ أنّني كنتُ أتأمّلُ أحد المنازلِ المألوفةُ لديْ، لقدْ كانَ بلا نوافذْ ولا أبواب وكانَ الحائطُ الأيمنُ قد دمّرَ والواجهة المطلّةٌ على الشارعِ قدْ شوّهتْ تماماً، كنتُ أنظرُ اليه باستغراب! ترى لمنْ هذا المنزل!؟

بينما كنتُ أقلّبُ الصّورُ لذاتِ المنزلِ من جهاتٍ مختلفة! رأيتُ تلكَ الرسمةُ التي رسمناها أنا وإخوتي على أحد جدرانِ منزلنا باستخدامِ الدّهان عندما كنّا أطفالاً… لم أكنْ أميّزُ منزلنا لولا تلكَ الرّسمةُ الصغيرةْ التي وبّختنا أمي وقتَها لأننا قدْ "وسّخنا الحيط "! كانَ المنظرُ مؤسفاً لكلّ المنازل! فكلُّ منزلٍ في هذه القريةِ الجميلةِ يحكي قصّة مختلفةً قدِ انتهتْ بتدميرِهِ أثناءَ هذهِ الحربَ الجائرةِ عديمةِ الرّحمةْ.

كانَ النّظامُ يقصفُ بالبراميل والصواريخ لقتلِ الإرهابْ.. ولكن لم تكون بيوتنا يوما إرهابيةْ. في صباحِ اليومِ التّالي: تمَّ إرسالُ بعضِ الصّورِ التي تحتوي على عناصرَ لجيشِ النظامِ وهمْ يقتحمونَ البيوتَ الخاليةِ من سكّانِها ويأخذونَ كلَّ ما يجدونَهُ ليبيعونَهْ، لقدْ رأيتُ بعضَ المفروشاتِ منْ منزلِ عمّتي وآلة الخياطة التي كانتْ مصدرَ رزقٍ لجارتنا الوحيدةْ، وثلاجات وغسالات، وبعضُ الأغراضِ منها الثمينة ومنها لا قيمةَ لهْ، كانتْ كلّها داخلَ سياراتٍ للنظام ينقلونها ليبيعونها! 

ما ذنبُ أولئك الناس الذينَ أمضوا حياتهم كلّها في العمل والسعي كي يبنوا لهمْ بيتاً يسكنونه ويحفظون  داخله بعض الحاجاتْ اللازمةِ لحياتهم الاعتيادية، ثم يأتي يوم لتُسرقَ على أيدي منْ يسمّونَ أنفسَهمْ حماةَ الوطنْ؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.