شعار قسم مدونات

عن الديمقراطية

blogs - سعد الدين العثماني
تنشر مؤسسة (freedom house) الأميركية سنويا تقريرها حول مؤشر الحرية في معظم دول العالم. كما العادة، حصلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أسوأ معدل رغم حصول تونس على علامة مرتفعة (78 %) و تصنيفها "دولة حرة" إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية. نفس النتيجة حصلت عليه دول المنطقة في تقرير مؤسسة (The Economist Intelligence Unit) حول الديموقراطية، والذي يقيم مستواها وفق خمس أقسام رئيسية هي:
– العملية الانتخابية والتعددية.
– الحريات المدنية.
– عمل الحكومة.
-المشاركة السياسية.
– الثقافة السياسية.

تختلف، بطبيعة الحال، الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة لاختلاف الظروف والثقافات، فما حصل مثلا في مصر عقب الثورة من انقلاب عسكري على الإرادة الشعبية عكس ما وقع في تونس بعد ثورة الياسمين، ومدى تأثير الانتماء القبلي في العملية الانتخابية يختلف في دول المنطقة لكنه يكاد لا يغيب.

في مغرب "الاستثناء" ما زالت البروبغاندا والعزوف عن التصويت مخيمين على المشهد السياسي بعد حركة 20 فبراير، رغم تغيير الدستور وتبوأ حزب إسلامي معارض المرتبة الأولى في الانتخابات وقيادته الحكومة. 5 سنوات بعد ذلك حافظ نفس الحزب على صدارته في الانتخابات التشريعية بل ورفع من عدد مقاعده في البرلمان. إلا أنه هذه المرة، عجز رئيس الحكومة المعين عن تشكيل الأغلبية البرلمانية واستمر هذا "البلوكاج" عدة أشهر، أقال بعدها ملك البلاد، رئيس حكومة البلاد، وعين عضوا آخر من نفس الحزب، شكل حكومة في بضعة أيام وتنازل عن جل الوزارات الحيوية لأحزاب لم تنل ثقة الشعب.

انتظار أن تتحسن الأمور من تلقاء نفسها وأن يأتي يوم نصير فيه فجأة واعين هو من باب السذج، فالطريق نحو دولة يكون تعليمها بالمستوى لا يتم عبر أخصائي أمني.

كانت هذه الانتكاسة، عودة إلى واقع ما قبل 20 فبراير، وانتكاسة على ما تم حصده بعد ذلك الحراك.. الكل حلل المسألة على طريقته، وعلى عادتنا أجمعنا، وإن اختلفت آراؤنا، على أننا "شعب ليس ناضجا بما يكفي ليحكم نفسه بنفسه".

هذه الفكرة لربما أكثر خطورة من الشرعية الدينية للحاكم أو إغلاب المنفعة المادية (البنية التحتية، التعليم، …) على الحرية في حالة الاستعمار. هذه الفكرة أكثر خطورة لأن معظم الناس يؤمنون بصحتها وإن لم يقتنعوا بالأفكار السابقة، ويرون أن لا ضررا في غياب الحرية والديموقراطية ما دام هناك غياب للـ"وعي". وقد يبدعون في تصور سيناريوهات كارثية قد تصل إلى تفكك شعب ظل ملتحما لقرون، إلى دويلات متناحرة بحجة اختلاف الثقافة وغياب سلطة ديكتاتورية لا "تضعفها" آليات مثل المحاسبة والانتخابات.

غير أن الوعي، في جل النماذج وجميع الحقب، كان نتاج سنوات من التجارب والأخطاء والتدافع، شأنه شأن البحث العلمي والمشاريع التجارية والأعمال الأدبية. فما وصلت إليه الشعوب الأوروبية/ الغربية من وعي سياسي وحقوقي كان نتيجة سنوات من التدافع السياسي والانتكاسات والإصرار على المطالبة بحقوقها المشروعة بدل انتظار تحرك حاكم في مصلحته بقاء الأمور كما هي أو مقاطعة العمل السياسي (مقاطعة لا تجدي نفعا إلا في الدول الديموقراطية أصلا).

انتظار أن تتحسن الأمور من تلقاء نفسها وأن يأتي يوم نصير فيه فجأة واعين هو من باب السذج، فالطريق نحو دولة يكون تعليمها بالمستوى لا يتم عبر أخصائي أمني ولا يمكن بناء مستشفيات بالمستوى بعد تحديد ميزانية ضخمة من أجل أول قطار سريع في القارة من طرف سلطة لم يتم انتخابها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.