شعار قسم مدونات

رسالة إلى صديقي "أبو ماركة"

مدونات، ماركة

صديقي أبو ماركة، تحية طيبة وبعد. يؤسفني جداً أنك لا تقدر على تقييم جمال شيء إلا بعد التعرف على ثمنه وعلامته التجارية، دعني أخبرك من الآن أن نظارتي بشعة، وأن أختصر عليك جهد انتزاعها عن عيوني لقراءة علامتها التجارية، فاسم الشركة المنتجة لها لم تسمع أنت ولم أسمع أنا بها يوماً، وهي رخيصة جداً إذ اشتريتها من موقع صيني للتسوق عبر الإنترنت بمبلغ يقل عن نصف ما تدفعه لثمن منظف نظارتك ذات العلامة التجارية الشهيرة.

أيضاً، دعني أخبرك أنه لا يوجد داع لأن تجذب يدي بشدة لتقترب من عيونك حتى تتمكن من قراءة العلامة التجارية لساعتي، فهي ستبقى بشعة بنظرك طالما أنها ليست من علامة تجارية تبدأ أسعارها من مائتي دولار فأعلى، هذه الساعة وصلتني هدية من أسرتي يوماً، وأرتديها لا لأتذكر الوقت ولكن لأحفظ ذكراهم.

أرجو منك ألا تنسى أن تكتب في وصيتك لأبنائك أن يطرزوا لك العلامة التجارية التي تحمل صورة حيوان برمائي على الكفن يوم أن تغادر هذه الدنيا! فكيف لأمثالك أن يقابل دود الأرض بكفن "صناعة محلية"

زيادة على ذلك، دعني أعترف لك بأن ملابسي بشعة أيضاً، والعلامة التجارية المكتوبة على صدرها هي علامة مقلدة، اطمئن، لا تجهد نفسك بأن تخنقني حتى تحاول أن ترى العلامة التجارية المسجلة على الجانب الداخلي من الـ T-shirt قرب الرقبة، اطمئن، فلقد اشتريته من مكان ما في المدينة بسعر خيالي لا يتجاوز على الغالب سعر وجبة غداء تتوجه لتناولها في مطعم ذي علامة تجارية تلائم مستواك.

النظرية المنتشرة بكثرة، بأن قيمة الشيء تتحدد بثمنه، نظرية مقيتة حقاً. تفقدك متعة الكثير من التجارب، تصنعك الزائد يحرمك من متعة ارتياد أماكن غاية في الروعة فقط لأنها بسيطة أو رخيصة، دعني أخبرك سراً ما نعرفه فيما بيننا في عالمنا البشع؟ إن متعة شرائك بمبلغ سخيف لبذور بعض النباتات في هذا الخريف، والعناية بها طوال الشتاء حتى تزهر نرجساً في آذار لتفوق بعشرات المرات متعة اليومين الذين تعيشهما الزهرة الجاهزة التي تشتريها في آذار من متجر الزهور صاحب العلامة التجارية الأشهر في المدينة حتى تهديها لوالدتك.

عليك أن تعترف أنك حين تقدم لها الباقة فأنت تقدم في بالك "العلامة التجارية" لمكان شراء الباقة لا عبير ورودها! سرً آخر؟ دعني أخبرك أن جمال الرحلة لا يعتمد بشكل كامل على عدد نجوم الفندق! وأن دفع ألوف الدنانير على الزينة الإضافية لقاعة حفل الزفاف لن يضمن لك حياة هنيئة! وأن هناك من هو مستعد أن يدعو مائة شخص على غداء فاخر في مطعمك الفاخر ذو العلامة التجارية التي تليق بمقامك مقابل أن يحصل على وجبة "مجدّرة" من إعداد والدته.

حسناً، لكل منا تعريفه الخاص بالجمال، وتعريفك يا أبا ماركة لا يناسبني، وها أنا أختصر عليك لتوفر وقتك المهم على ما هو أهم من نظارتي وساعتي وملابسي، ودعني في الختام أرجو منك ألا تنسى أن تكتب في وصيتك لأبنائك أن يطرزوا لك العلامة التجارية التي تحمل صورة حيوان برمائي على الكفن يوم أن تغادر هذه الدنيا! فكيف لأمثالك أن يقابل دود الأرض بكفن "صناعة محلية"؟

توضيحات:
"ماركة" من كلمة mark الإنجليزية وتعني العلامة، وهي تسمية دارجة لـ"العلامة التجارية"
"مجدّرة" أكلة فلسطينية لذيذة وبسيطة تعتمد على الأرز والعدس والبصل، بالعادة عندما يريد أحدهم أن يصف لنا "الكشري المصري" فيصفه بأنه قريب من المجدرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.