شعار قسم مدونات

الظلم وتخريب المنطق (2)

blogs - iraq

ذكرت في التدوينة السابقة أن الظالم لديه ركيزتين يعتمد عليهما في ظهور أساليب عنده ليمنع المظلوم من تصحيح المسار ورفع الظلم، يشجعه على ظلمه، فكرته بأن لديه الحق المطلق، ويعتمد على التذبذب والتأرجح بين الأساليب ليبقي على سطوته وسيطرته، وذكرت بعض هذه الأساليب وأكملها الآن:

5- استثمار الخطاب الديني ورجال الدين: وذلك بدعوتهم الناس بالتمسك بالقيم والمعاني الروحية كالصبر وانتظار الفرج والزهد بالدنيا وترك الغضب وحسن الظن والتوكل على الله والتسليم له وغيرها من مكارم الأخلاق والإيمانيات، وحين تدقق في هذه النقطة تجد تخريباً للمنطق جِدُّ عجيب، حيث أنه بظلمه يعتدي على الآخرين، ويريد من الآخرين أن يلتزموا بمكارم الأخلاق، فهو يذكر بأخلاق النبي بينما يرضى لنفسه بأخلاق اليهود!
 

6- المساومة، أترك شيئاً لتحصل على آخر: ينطلق الظالم هنا من فكرة أنه المالك المتحكم، حتى تحصل على حق من حقوقك عليك أن تتخلى عن آخر، وكأن الظالم يجلس في كبينة لرهن ممتلكاتك، إذا أعطاك شيئاً فيجب أن يأخذ منك ما يبقيك في حاجة للرجوع إليه، حتى يبقيك تحت سطوته فلا تشاء شيئاً إلا إذا شاء! وبعد هذا كله فإنه يتفضل عليك بما أعطاه وله المنة.
 

كيف يعتقد الظالم ويعتنق بعمق فكرة أن لديه الحق (المُطلًق) والقوة (المُطلًقًة) ثم إذا مرض فإن له العناية والرحمة وهي أشياء تُعطى لضعيف؟ ثم كيف ينتقل من أسلوب إلى آخر ويتقلب بينهم وهذه الأساليب متناقضة في جوهرها؟

7- المظلوم غريب (فصل الانتماء): فمن لا ينتمي لمزايا ما يحددها الظالم فهو ليس له أي حق، كيف ذاك؟ مثلاً: جدال بين رجل وامرأة يرى فيها الرجل أنه محق بالضرورة لأن المرأة لا تنتمي إلى مجموعة مزاياه كرجل، فهو يقدم المنطق على العاطفة، وهو قوي لا يتأثر بسهولة كما يرى نقيضته (المرأة)، مثال آخر: معلم مع طلابه، لا يرى لهم حقوق لأنهم لا ينتمون إلى منزلته، فهو يقرر ما سَيُدرَس وأسئلة الامتحان وهو يتعب في الشرح ولديه العلم، وبالتالي فهو محق بالضرورة لا يلتفت إلى حقيقة أنه من الممكن أن يخطئ أو يصدر عنه فعل ظالم، إذ ماذا يفعل الطالب في حياته غير أنه يتقلب بين دلال شرح المعلم والجو البديع المهيأ في منزله للدراسة؟ (هكذا يفترض هو) وهكذا فإن الظالم ينزع من الطرف الآخر أي حق طبيعي له، وحق المدافعة عن الحق الطبيعي ومن فصل الانتماء هذا أيضاً أن الظالم يرى نفسه يتميز بما لا يتميز به الآخرون، فهو إن مرض: الضعيف الذي يتطلب الرحمة والعناية، وأما مرض الآخرين فهو بما كسبته أيديهم وليتعذبوا به!
 

8- الكذب لربط الآخر بعقدة الذنب (التلاعب بالحقائق): الادعاء بعمل أمر صالح موجه للآخر وهو لم يعمل به، أو عمل سيئات بحق الآخرين ثم إخفاء ذلك وإنكاره أو إلباسه بمقاصد نبيلة، ومن هنا فإن اندفاع المظلوم ضد الظالم إنما هو قصور لرؤيته الفعل الحسن الذي قام به، أو اندفاع ضد عمل سيء لم يحصل.
 

9- الإعلان بديمومة الوضع (الأبدية): أي أن الوضع القائم والظلم الحاصل لن يتغير، وأن الغلبة والقوة معه فلن يتغير شيء أبداً.
 

هذا ما استطعت جمعه من ملاحظاتي، قد تستخدم كل هذه الخصال في حالات الصراع الكبيرة كالذي يحصل في مواجهة دولة مستبدة وشعب، وقد تستخدم بعضها في حالات الصراع الأقل، ولأن إنشاء السياسة الحقة تعتمد على الإنشاء الإنساني السليم فإن المشكلات الاجتماعية تظهر على شكل صراعات سياسية، والصراعات السياسية تنخر في بناء المجتمع، فالظلم الذي يحدث بين حكومة وشعب نستطيع ملاحظته ما بين الناس وباقي العناصر المجتمعية بعضها مع بعض.
 

الشعور العام الذي يصيبك عند التفكير فيما كتبتُه بالأعلى إذا أردت التفكير بخلاصة الموضوع والنظر نظرة كلية؛ هو شعور بالضيق العام والتشوش، وهذا ناتج عن كثير من تخريب المنطق والتناقضات العجيبة الذين مررتَ بهما أخي القارئ أختي القارئة، إذ كيف يعتقد الظالم ويعتنق بعمق فكرة أن لديه الحق (المُطلًق) والقوة (المُطلًقًة) ثم إذا مرض فإن له العناية والرحمة وهي أشياء تُعطى لضعيف؟ ثم كيف ينتقل من أسلوب إلى آخر ويتقلب بينهم وهذه الأساليب متناقضة في جوهرها؟ مثلاً بين الأسلوب الثالث والرابع، وبين الأول والتاسع. السواد الذي يلف هذه العجائب هو ُظلمة الظلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.