شعار قسم مدونات

الإخوان المسلمين.. عملاق تنظيمي تائه في غياهب السياسة

blogs الإخوان المسلمين
لا ريب أن جماعة الإخوان المسلمين بعموم فروعها، تمثل الإجابة الإسلامية الأكثر تقدماً وقرباً من الواقع العربي بين نظرائها من الحركات الإسلامية، فالجماعة تعد تنظيماً "معاصراً" لجهة اختيار أعضاء القيادة بالانتخاب، ولجهة امتلاكها صحفاً، ومواقع إلكترونية، وقنوات تلفزيونية، ومؤسسات اقتصادية واجتماعية من مدارس ومراكز ومؤسسات خيرية. وعلى الرغم من كون جماعة الإخوان المسلمين حركة متطورة من الناحية التنظيمية، وتعد أفضل الحركات الموجودة إذا ما قورنت مع الحركات الإسلامية الأخرى، لكن مسيرتها المتعثرة في الثورات العربية طرحت علامات استفهام على أداء الجماعة السياسي.

فالجماعة التي مضى على تأسيسها عقود عدة، بدت بالنسبة للكثيرين، هيكلاً ضخماً يسير بلا رؤيا توجيهية ولا روحا دافعة، رجلاً مريضاً لا يمتلك أدنى وعي عن طبيعة الصراع السياسي والدولة الحديثة، وبينما قد يعتقد البعض أن المؤامرات و الضربات المتتالية التي تم توجييها للجماعة خلال الثورات العربية هي السبب في ذلك، فإن الواقع يكشف أن الثورات لم تكن سوى أزمة كاشفة لحالة الترهل التنظيمي والتخبط السياسي الذي تعيشه الجماعة منذ عقود عدة.

صحيح أن الجماعة كما أسلفنا تطورت من الناحية التنظيمية، لكن التطور اقتصر على الشكل دون المضمون، فالجماعة قامت بالتركيز على تماسكها التنظيمي على حساب التطور الفكري والسياسي، وهو ما أدى إلى إصابتها بجمود فكري واضح جعلها لا تواكب التطورات الحاصلة في العالم المتغير. فحتى اللحظة لا تقدم الجماعة خطاباً سياسياً واضحاً حول علاقة الدين بالدولة، وتحاول الحفاظ على غموض تعتقد أنه إيجابي، في كثير من القضايا الإشكالية، وهذا لا يعود فقط إلى حرص جماعة الإخوان المسلمين على التماسك التنظيمي وتجنب الأمور الجدلية، بل أيضاً بسبب عدم امتلاكها رؤية واضحة لمثل هذه الأمور، وذلك نتيجة طبيعية لتوقف الاجتهاد الفكري والمنهج التجديدي عند السنوات الأولى من التأسيس.

لغياب التجديد، دور لا يستهان به في التخبط السياسي والجمود الفكري، فكيف يمكن لنا أن نتوقع من قيادات موجودة على رأس الجماعة منذ السبعينيات والثمانينيات أن تنتج شيئاً جديداً.

وهنا لا بد من التوضيح، أننا لا نتحدث عن الاجتهاد الفردي أو الشخصي، فالجماعة تضم في داخلها المئات من المفكرين والمجددين، وأصحاب الكتب والنظريات، وكل فرد من هؤلاء يملك العشرات من النظريات حول التعامل مع هذه القضايا، ولكن الحركة كتنظيم وهيكل ما زالت لا تملك رؤيا واضحة حول التعامل مع هذه القضايا. وهذه النقطة تقودنا إلى أزمة أخرى تعاني منها الجماعة، وهي أزمة قد لا يلاحظها الكثير، فرغم أن الجماعة تجري انتخابات داخلية بشكل دوري، إلا أن التجديد فيها على مستوى القيادات يكاد يكون مفقوداً، وتداول المناصب فيها يتم بين فئة محدودة منذ سنوات كثيرة.

ولكن اتسام الجماعة بالطابع السري يجعل البعض يعتقد أن الوجوه الصاعدة هي وجوه جديدة، أما الواقع فيقول إن أغلب قيادات الجماعة تبقى موجودة لعقود دون أن تتغير.ولعل نظرة واحدة إلى أعضاء مجلس شورى أي جماعة من جماعات الإخوان المسلمين، ستجعلنا نكتشف أن الانتخابات داخل الجماعة، هي عملية تبادل للمناصب بين هؤلاء الأعضاء، وهو ما يكشف عيباً خطيراً في النظام الانتخابي الذي نادراً ما يؤدي إلى إفراز دماء جديدة.

أزمات ومشاكل جماعة الإخوان المسلمين متعددة، ولا يمكن حصرها بالنقاط المذكورة أعلاه ولا حتى في عدة مقالات، ولكن أزعم أن أزمة التجديد في الدماء والفكر، هي من المسببات الرئيسة لأغلب المشاكل التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين، فأغلب المشاكل التي تمر بها الجماعة نابعة من هاتين الأزمتين.

فغياب التجديد الفكري داخل جماعة الإخوان، وبقاؤها على الأفكار ذاتها جعلها تراوح مكانها، رغم تعدد الظروف واختلاف الأزمان، وجعلها تتعاطى بنفس الطريقة والآلية مع جميع المشاكل التي تمر بها، وهو ما أنتج جموداً سياسياً جعلها تتفاجأ حتى بالأحداث المتوقعة، وتمارس مراهقة سياسية نادرة، لدرجة أن الجماعة وفي جميع الدول لا تحسم حجم مشاركتها في الانتخابات، إلا قبل أيام من عقد هذه الانتخابات.

ولا شك أيضاً أن لغياب التجديد في البنية والدماء، دوراً لا يستهان به في هذا التخبط السياسي والجمود الفكري، فكيف يمكن لنا أن نتوقع من قيادات موجودة على رأس الجماعة منذ السبعينيات والثمانينيات أن تنتج شيئاً جديداً أو مختلفاً عما ستنتجه الآن؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.