شعار قسم مدونات

ابتسم إنها سُنّة

blogs - smile

النفس البشرية ساحة كبيرة تتصارع فيها أمواج اليأس وامتحانات القدر بالجد والجهد والتعب؛ لا يخلو فيها أنسأن من أعباء كثيرة تقابله ولا يخلو فيها أنسأن من إشراقات منيرة لطريق سعادته تسمو بروحه التعبة لأفاق البهجة والسرور؛ والابتسامة صرح من صروح النفس أو ما يشتق منها تصدر من القلب والروح والجوف ثمّ ترتسم على الشفاه في أبهى حلتها.
 

لذلك حتى إن كنت تمتلك في هذه الحياة ابتسامة واحدة لا غير امنحها لمن تحب؛ فكل شيء فيها فأن ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام؛ وسبحان العليم الحكيم الذي جعل من الابتسامة محبة تكسب بها القلوب وصدقة تؤجر عليها؛ فتبسمك في وجه أخيك صدقة؛ هذا ما قاله النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم.
 

لا تتوقف أبداً عن الابتسام فكل ما حولك في زوال دائم؛ وإذا قصرت نفسك عن ذلك فابحث عما يسعدك وكن على يقين أن هنالك شيئاً يستحق أن تكون سعيداً لأجله وستجد أن هذا الاعتقاد وفر لك راحة أنية؛ وابتعد عن الحزن فهو كأوراق البريد الكثيرة لا تضيع الوقت فقط بل تتسبب في زيادة النفايات وكثرتها .فأنشد فصلاً كاملاً من المحبة؛ وبادر إلى الابتسام واحمل أثقال الاخرين؛ ففي نهاية الأمر كلنا من مشكاة واحدة وأغلب المشاعر الحزينة التي تستشعرها أنما هي إدراك لضغط ما يتأثر من الغرائز الجائعة التي تتطلب السعادة.
 

ببساطة قد يفشل البعض في الوقوف وقفة سليمة لكن يمكن أن يصححها وهذا ما يتحتم حدوثه لتصحيح الوقفة الخاطئة، والشخص الذي يستسلم للحزن هو الفرد الذي فشل في اعتياد السعادة.

فكرة امتزاج السعادة بمفهوم الابتسامة قد فرض نفسه علينا؛ فباتت الابتسامة موسمية في بعض المسرات فقط وهذا لأن الإنسان حكم على مباهجه المقبلة وأسقطها؛ ما جعلنا نُبتلى بأشخاص لا يبتسمون حتى في العيد ولا يبسطون وجوههم للمتلقين، متجهمين نبرتهم عالية ومواقفهم سلبية.
 

فلتدرك أن سعادتك هي ما تملك رغم أنك لا تستطيع أن تجعلها ملكا لك تماماً؛ وعلى هذا المنوال لتكن الابتسامة مبدأً في حياتك لا استثناءً؛ وابدأ بتشكيلها برد فعل عاطفي أو بأمل أو برغبة تحقق الارضاء؛ واستمسك بها استمساكاً عنيدًا فهي الشيء الحقيقي الوحيد الذي يمكن أن تخضعه لسيطرتك؛ وحمل كلماتك بضحكة مشرقة تعالج اضطرابات قلبٍ مريضٍ وهذا ما لا يستطيع المال فعله؛ وما أيسر أن تدرك أن أحلام بعض المرضى تقف عند حدود ابتسامتك؛ فأعفيهم من مشاهدة ملامحك المؤذية فهناك من السبل والوسائل ما يكفيهم لإبقاء الامور المؤلمة في ذاكرتهم.
 

ابتسامة ترتد صورتها في وجوههم فتمنحهم الأمل في الشفاء؛ ابتسامة لا يمكن تحديد مداها ولا يمكن أن ينكرها من يراها تبلغ من التأثير حداً يجعل الطرف الآخر ينصاع لأوامرها ويبتسم تلبية لنوازعه الفطرية؛ ابتسامة يولد منها الإنسان وتنطوي على أعماق النفس؛ ابتسامة ترسم لنا معالم الطريق لأنها تُعَلِمُنَا أن ما نراه معقداً ولا نستطيع أن نفهمه هو مجرد اعتقادٍ؛ ابتسامة يلتمس فيها الطفل لذة تمتزج فيها إقباله على الحياة وارتمائه في أحضانها ؛ابتسامة تبقى أمداً طويلاً وتنتهي إلى إيقاع سعيدٍ.
 

حب الأزهار قد يكون المبادأة نحو زراعتها؛ وتحضير مكان لها بمثابة التمهيد لغرسها وحب الأزهار يأتي بعد الاستمتاع بها؛ كذلك التقدير الحقيقي لجمال الابتسامة يتكون أولاً داخل شعور ذاتي مغلق لتعكسها فيما بعد حولك وتجعل الناس يستمتعون بها ويتأملون ملامحك السعيدة وينصتون لنبرة صوتك التي تعبر عن مدى الارتياح فصوت الإنسان انعكاس صادق لحال أعماقه.
 

تصور هذا الواقع صحراء ويأتي عملك بأن تحيلها إلى حديقة مزهرة فماذا ستفعل؟
اجعل الناس حولك عشب أخضر وكن أنت بينهم أزهاراً يستقون من رحيق مبسمك ابتسامة تتلألأ كنجم في ليل الدجى ينعكس نوره على خدودك؛ وأنثر حبات السعادة بينهم كمعزوفة بلا أوتار فإن ابتسموا قذفوا عطراً طياراً وأنبتوا مسكاً مدراراً.
 

إن كانت الابتسامة مختبئة في خفايا النفس فأعلنها في منزلك، في جامعتك، في مقعد سيارتك، حيث يمكنك تلمسها وليس في النواحي المنغلقة؛ فابتسامتك يمكن أن تكون مصدر للسعادة حقاً، وتبعث في النفس توقعاً جميلاً.

لا تُغفل الظروف التفصيلية التي تساعدك على ممارسة طقوس سعادتك وعليك أن تغوص في الحقائق لتصل إلى التفاصيل الصغيرة؛ فالأفعال التي تنبع من النفس تحفظ الحياة؛ والابتسامة مستمرة ما دامت هناك حياة؛ وما دامت السعادة تعيش فينا كالنقود في الصندوق ليست ميداناً منعزلاً منفصلاً ولكنها معرفة؛ مثل العزف على آلة موسيقية أو الكتابة على آلة كاتبة تحتاج قدرات فنية ودافع سريع للتعلم ومشكلة السعادة مشكلة اقتناعٍ ومشكلة دافعٍ؛ فاكتشف هذا الدافع الذي يحرضك على الابتسام ويهزك لتخرج من سلبية القطيع.
 

والحقيقة أن الشخص الذي يستطيع أن يبتسم هو شخص يشعر بالرضا والشخص الذي يشعر بالرضا هو شخص سعيد؛ وأنه ببساطة قد يفشل البعض في الوقوف وقفة سليمة لكن يمكن أن يصححها وهذا ما يتحتم حدوثه لتصحيح الوقفة الخاطئة، والشخص الذي يستسلم للحزن هو الفرد الذي فشل في اعتياد السعادة؛ فالنار لا تخمد عندما نأمرها بالتوقف عن الاشتعال بل تحتاج مجهوداً لتخمد.
 

فلتكن الابتسامة عادة من العادات الفنانة المشحونة بالسكينة والمناعة النفسية التي تحول بينك وبين التأثر بما تتعرض إليه فتنحو بك منحى جديداً بعيداً عن تزاحم الهموم والقلق؛ وأن اتهموك بالإفراط في الابتسام وقالوا أنك مجنون فقل يا لها من تهمة جميلة فسبحان من جعلها صدقة وأعذروني فإن كانت الابتسامة ذنب فالله يرحم ويغفر الذنوب.
 

إن كانت الابتسامة مختبئة في خفايا النفس فأعلنها في منزلك، في جامعتك، على المنصة، في قوس المحكمة، في مقعد سيارتك، حيث يمكنك تلمسها وليس في النواحي المنغلقة؛ فابتسامتك يمكن أن تكون مصدر للسعادة حقاً، وتبعث في النفس توقعاً جميلاً. والآن عزيزي القارئ بما أن الابتسامة جزء من العلاج، إذن ماذا تنتظر لتكتب وصفة مجانية للشفاء لزوجتك، لعائلتك، لأولادك، لجارك، لعابر سبيل؛ وسجل هذه الملاحظة في أسفل الوصفة لا تنظروا للحياة بأعين حزينة بل بأعين مبتسمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.