شعار قسم مدونات

لا تعطهم فتكسرهم

blogs- أطفال الشوارع
عندما كنت أشاهد قصة بائعة الكبريت، اعتقدت أنها مجرد رواية عادية، لكن بمجرد النظر من النافذة فقط شاهدت هذه الرواية حاضرةً في واقعي لكن بسيناريوهات أخرى وبأبطال مختلفين.

أطفال تعتقد أنت بإعطاء بعض المال لهم أنك تساعدهم وتخفف عنهم فتسير مرتاح الضمير، كونك قمت بواجب إنساني دون أن تلتفت و تشاهد المجتمع يضيع من خلفك، أنت لم تعطهم بسبب واجبك بل بسب تقصيرك تجاههم، شيئٌ هكذا يشبه الندم على عند اقتراف الخطيئة.


هذه ليست دعوة مني للشُح في العطاء والبذل، إنما هي دعوة لتصحيح مسار العطاء وتوجيهه وجهته الصحيحة، وجهة تبني المجتمع وتُعد جيلاً قادراً على القيادة، جيلٌ همه ألا يكرر نفس طفولته في غيره، أنت حين تساعد بالكيفية الأمثل، لا تساعد طفلاً بعينه إنما تجفف منبع آفة.

انظر من الجهة الأكثر اتساعا وشاهد عيونهم وهي تلمع عند مشاهدة حقائب المدرسة المليئة في الأسواق أو حتى أقلام الرصاص التي يبيعوها بذاتهم ولم يجربوها يوماً أو عندما يمر بجانبهم صبية المدارس يخططون لرحلتهم المدرسية أو لحفل تكريمهم أو حتى عندما يشاهدون ضحكهم وصراخهم.

قف وانظر إلى الأمراض المستعصية الموجودة في مجتمعك التي من المحتمل أن تصيب اقرب الناس إليك ، لعل دوائها يكون على يد ذلك المنسي على قارعة الطريق.

قارعة الطريق ليست مكان هؤلاء، مقاعد الدراسة مكانهم، مشاغل تعليم الحرف على أقل تقدير، هنا قف وكن بطلا إنسانيا فقط تكلم معه وأعطه أملاً في انه يستطيع، ولم يخلق ليبقى في الشارع ، كن بطل نفسك ولا تنتظر بطولة غيرك أو شفقة القوانين الصماء.

لو تناسينا كل هذه الإنسانية ونظرنا لهذا الشارع من وجهة أخرى سوف نرى سيارة فخمة ينزل منها رجال بملابس أنيقة هم في الأصل كانوا أطفال شوارع(ليس جميعهم)، لكنهم الآن جاؤوا ليأخذوا معهم إخوتهم (ضحاياهم) من أطفال الشوارع لينضموا إلى قائمة الإجرام والممنوعات ويشكلوا عصابات تنتشر في مجتمعاتنا، فتبني مصانع الطعام الفاسد وتكنولوجيا التجسس الهدام والمدارس المهدمة لتنظيف قذارة أموالهم بأيدي هؤلاء الأطفال، نعم لا تستغرب فعددٌ من أصحاب السوابق الإجرامية كانت حياتهم قريبة مما سبق، لم يعرهم المجتمع اهتماماً فتحولوا ناقمين عليه، اقتصوا منه، عاقبوه على إهماله لهم.

هنا تكمن حقيقة الصراع الخفي، هنا مفترق الطرق إما أن تحولهم أو تساهم في تحويلهم إلى خدمة المجتمع، أو يساهم غيرك في تحويلهم لهدم ذات المجتمع، وستصبح ضحيتهم بعد أن كان لك شرف أن كنت نصيرهم، الآن قف وفكر فمسؤولية هؤلاء الأطفال ليست في عنق أهلهم أو من تبقى من هؤلاء الأهل، وليست مسؤولية القانون فقط، القانون أصم أبكم، في كثير من الأحيان يصنفهم كمجرمين، هم مسؤوليتك أنت إن كنت تريد حماية مدرسة أطفالك، دواء أمك، غذاء أسرتك فلا تعطي هؤلاء الأطفال أموالاً وتمضي، امنحهم الحياة وادمجهم في مجتمعهم.

هذه ليست دعوة مني للشُح في العطاء والبذل لمثل هؤلاء الأطفال، إنما هي دعوة لتصحيح مسار العطاء وتوجيهه وجهته الصحيحة، وجهة تبني المجتمع وتعد جيلاً قادراً على القيادة، جيلٌ همه ألا يكرر نفس طفولته في غيره، أنت حين تساعد بالكيفية الأمثل، لا تساعد طفلاً بعينه إنما تجفف منبع آفة، وتساهم في إلغاء وجودها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.