شعار قسم مدونات

كيف نتعلم فن الصبر؟

blogs- الصبر
إننا جميعا في هذه الأيام نقضي حياتنا في سرعة وعجلة ونتوقع أن كل الأشياء المحيطة بنا تتحرك بشكل أسرع أيضا، اذ اختلف مفهوم ثقافة السرعة لدى الكثير منا، ففي كل مرة ينتابنا غضبٌ شديد من بطء جهاز الكمبيوتر في التحميل، مثلا تحميلَ الكتب من الأنترنيت أو بعض التطبيقات من الهواتفِ الذكية يأخذ منا وقت طويل.

حتى انتظار المصعد يجعلنا نتذمر، إذْ نقومُ بالضغط على الزر أكثر من مرة حتى يعود بشكل سريع بشكلٍ سريع إلينا. هل نعاني جميعاً من مرض السرعة؟ أعرف أنني مصابة بهذا المرض. إنني لا أستطيع تحمل الصبر، وهو ما يحدث معي أثناء تواجدي داخل مركز البريد لاستلام الراتب الشهري أو دفع حساب الهاتف، كنت دائما أكره الوقوف في الطوابير لانتظار دوري.. بدأت أغضب كثيراً وأقول في نفسي لما لا يوفرون خدمات سريعة أستطيعُ بذلك دفعَ الحساب دون انتظار، لأني في كل مرة أقول "أكره الانتظار" لدي اشياءٌ تنتظرُني لأقُومَ بها بدلا من الانتظار لساعاتٍ طويلة.


لا يهمُ كم مرة كم نفشل في تجارُبنا، الأهمُ هو عدم الاستسلامِ والبدء بمحاولاتٍ جديدة مع الصبر، ومن أمثلة الصبر هناك الكثير من القصصِ عن أشخاص أثبتوا مثابرتهُم في الصبر، رغم العقبات التي مروا بها قبل أن يحققوا نجاحات خلدها لهم التاريخ واعترفت لهم بها الأجيال.

المُشكلة تكمنُ في أن عدمَ قُدرتنا على الصبر و السرعة المتزايدة تُولِد فكرة نفاذ الصبر و هي من تخلق لنا صعوبات في حياتنا اليومية، على سبيلِ المثال كثير من الاشياء تحدثُ في حياتنا تحتاج منا صبراً طويلاً كالمرض، الوفاة، مشاكل العمل، تربية الأبناء، العبادة، الصبر على الوفاء بالوعْدِ، و أهمها الصبرُ على لا شيء لأننا في خطوةٍ تتطلب منا ان نتحلى بالصبر و ألا نستسلم لظروف الحياة.

فنُ الصبر يعلمنا كيف نتواصل مع غيرنا حتى و إن كنا في أسوء حالاتنا، أن نبقى بعيدين عن الغضب، الصبرُ أيضاً يُعلمنا مدى تمسكنا بالحياة بقوة، الصبر يعلمنا كيف نمشي بخفةٍ على أرضنا و يعطينا ثقةً في أنفسنا أننا سنصل إلى ما نريدُ حتماً.

من السهل أن نحبَّ الله؛ فهو خالقنا ورازقنا، ولا غِنى لنا عن رحمتِه، ونخافه لقوته، وعذابه في الدنيا والآخِرة، ولكن مِن الصعب أن يعرِفَ العبدُ هل الله يحبُّه أم لا، وهو يسأل نفسَه دومًا.. ما هو مقامي عند الله؟ أهو راضٍ عنِّي أم لا؟ هل أحب الله خوفا من عذابه؟.

مثلا رجل يتعاطى المشروبات الكحولية تراه عندَ التوبة يُقلِع ثم يعود من جديد و في كل مرة يتحجَّج بضعفه وعدم صبْره، ثم هو يدَّعي أنَّه يُحبُّ الله ويخافه لكن لم يقدر المعنى الحقيقي للصبر.

نحن قادرون على التحلي بالصبر لأن الصبر أجمل صفة موجودة في الإنسان، فكيف كان باستطاعتنا مثلا تجاوز مراحل الحياة الحُلوةِ منها و المرة، و كيف تعلمنَا الحب، كيف نجحنا في دراستِنا و اجتزْنا مراحل صعبة، و كيف حصلنا على وظيفة، ألم يكُن ذلك بالصَبر؟. 

من خلال التحلي بالصبر في حياتي أدركتُ حينها أن كل شيءٍ جميل في الحياة يأتي بالصبر الطويل دون انقطاع، كلما أدركتُ قيمة الصبر كلما منحني قدرة على ضبط النفس والتفاعل مع مُجريات حياتي حتى أصبحتُ أفكِرُ في كتابة مقال عن فنِ الصبر.

لا يهمُ كم مرة كم نفشل في تجارُبنا، الأهمُ من كل هذا هو عدم الاستسلامِ والبدء بمحاولاتٍ جديدة مع نية الصبر، و من أمثلة الصبر هناك الكثير من القصصِ عن أشخاص أثبتوا مثابرتهُم في الصبر رغم العقبات التي مروا بها قبل أن يحققوا نجاحات عظيمة يشهدُ لها التاريخ و الأجيال.

دانيال وبستر هو صاحب القاموس الشهير "ويبستر" استمر حوالي 36 عاماً من أجل وضع نسخته الأولى من القاموس وهو أشهر قاموس لغة في العالم، ثم لن أنسى قصة والت ديزني كان قد قوبل بالرفضِ أكثر من مئة مرة من قبل شركات التمويل لمشروعهِ "ديزني لاند" كما تم طرده من عمله لأنه لا يملك الخيال الكافي.. ديزني بعد ذلك جعل كل العالم يتخيل سر نجاحاته العظيمة.

حياتي الآن تمثلُ لي دافعاً قوياً لأثبت صبري لأنني بحاجة لكميات كبيرة من الصبر، لكنه بنفس الوقت يكونُ الصبر من أصعب الأمثال تطبيقاً، فنحنُ في عالمنا العربي نعاني تماماً من الاستعجال وسياسة القفز المستمر.. لعل ما كتبتهُ يساهم في جعل كل من يقراُ مدونتي أن يفكر كيف ستكون حياته بالصبر.. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.