شعار قسم مدونات

أنا شاب عربي

blogs - شباب أبيض وأسود كئيب
لست من دعاة التتنظير الفارغ، ولا أهوى جلد الذات، ولا أعشق رص الكلام ذي الروح المحبطة، إنما أريد أن ألملم ما استطعت من شتات أفكاري وأنظر بعقل وهدوء للواقع مستشرفاً على أثره مستقبلاً غامضاً يحفه كثير من الضباب.

إنني شاب عربي –ومثلي ملايين الشباب– كُتِب لنا العيش في واحدة من أشد مناطق العالم سخونة وصراعاً في عصرنا الحالي، فالجميع يعبث بمنطقتنا ويشكلون فيها ساحة لإبراز عضلاتهم ويستعرضون فيها أحدث أسلحتهم ويتخذونها مسرحاً رخيصاً لصفقاتهم ومكائدهم السياسية، جميعهم هنا (شرقيين وغربيين، يهودا وفرسا) يبدون على قلب رجل واحد في نهش ما تبقى منا، نعم يا سادة إننا نعيش شبابنا شيوخا عشرينين لا نطمع إلا أن ندرك غياب الشمس التي قد لا يشرق علينا صباحها.

أذكر أن طفولتنا -نحن جيل التسعينيات- كانت مليئة بمعاني القومية الصادقة وحب الوطن والحرص على الأرض، فقد تربينا على حلم الوحدة العربية الإسلامية، أرضعتنا أمهاتنا عشق فلسطين، أننا يوما ما لا بد مصلون في القدس، أن اليهود حالة مرضية مؤقتة سرعان ما ستختفي إذا ما قرر ماردنا النائم الاستيقاظ، أن بلاد العُرب أوطاننا، أن سايكس بيكو خطوط زائلة صنعتها يدٌ آثمة لتسودنا متفرقين.

لا شيء نخسره أو نبكي عليه، لكننا نعيش اليوم وفي داخل كلٍ منا يقين ودافع كافٍ أننا أمل النصر وفجر الحرية الذي لا بد له من البزوغ، حينها لن يغطي شمسه غربال الظلم والظالمين.

الشباب العربي اليوم في طول الوطن العربي وعرضه دُفع لأن يكون جسداً خاليا من الروح، ميتٌ يتحرك، يأكل ويشرب، لكنه لا يتكلم، ممنوع عليه التفكير إلا كيف يأتي برغيف عيشه آخر اليوم، حتى إذا سُئِل عن ناتج "واحد زائد واحد" كان جوابه رغيفين!

لقد مثلت الثورات العربية لنا نحن الشباب حلماَ جميلا في التغيير، في الانتصار على الواقع، في النهضة بأمتنا ومجتمعاتنا، لقد شعرنا لأول مرة بالكرامة، بالقدرة على التعبير عما جال في أنفسنا أعواما، على قول لا، على قول يسقط الزعيم "الخالد"، لقد عشنا حالة كبيرة من النشوة والفرح بانتصار مؤقت سرعان ما بدده وحش الثورات المضاده.

الثورات المضادة التي طبخت على نار هادئة وضعتنا أمام خيارين لا ثالث لهما: الأول ديموقراطية كاذبة جعلها الغرب "كصنم التمر" الذي عبده فإذا لم تأتِ نتائجه مفصلة على القياس الذي أراده، أكله بنواه، والثاني أن نستدرج لندور في فلك جماعة صنعها الغرب وحلفاؤه لتكون أيقونة يخوض حربه علينا من خلالها، تدعي هي تمثيل الدين وإقامة دولة الخلافة وتستحل باسم ذلك كل عظيم حرمه الإسلام. 

هذه الصورة المغرقة في السواد التي تغطي كل شيء في حاضرنا يا سادة قد تكون سبباً كافياً للتوقف عن الحياة، سببا وجيهاً يدفعنا لطلب الموت بديلاً عن حياة الذل، فلا شيء نخسره أو نبكي عليه، لكننا نعيش اليوم وفي داخل كلٍ منا يقين ودافع كافٍ أننا أمل النصر وفجر الحرية الذي لا بد له من البزوغ، حينها لن يغطي شمسه غربال الظلم والظالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.