شعار قسم مدونات

أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون

BLOGS - syria people

نعم لقد دخل القرية جنود، واغتصبوا نساءها وقتلوا رجالها، بدأ العويل والصراخ وخرجن كل واحدة وهي تلملم كرامتها المبعثرة، بدأت الصيحات والتنديد وقمم هنا وهناك، إلا امرأة خرجت ورأس المغتصب بيد أولادها، تري اخوتها أنها لم ترضى بتبعيتهم واستسلامهم.

أنا التي نوديت باسمي وكنيتي ولم أرض لنفسي أن أكنى بعائلة مالكي أو مهيمني، وأنا الهيمنة لم أقبلها على مر التاريخ والعصور فكيف الآن، فأنا سورية أنا الحرة وهؤلاء أولادي، أنا التي مر عليها المغول والتتار وبقيت سوريا وذهب الباقون أدراج الرياح، نظر الأخوة وقالوا: (ستعيرنا بالشرف الذي فقدناه) إنها كمثل آل النبي لوط الذي دعا قومه لترك الأفعال المشينة، فقال القوم المنغمسين بالذل والهوان وعبادة الشهوات، (أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، فلا تستقبلونهم في دياركم و شردوهم ولا تفتحوا لهم حدودا ولا تزوجوهم ولا تسمحون لهم بالعمل.

لقد تآمر إخوته عليه، باعوه بثمن بخس وابتلي بالجسد وعمل بدراهم معدودات، وكانت تتناقله الأيادي، وانتقل إلى فتنة البلاء بالجسد، فقال السجن أحب إلي، وطال عليه السجن فدعا ربه، كدعاء بقية الرسول.

أعانوا فرعونهم الذي خرج ليقول لهم، (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) وهذا عَزْمٌ من فرعون على قتل موسى، وطلب الدعم والتهيئة النفسية، لقتل التمرد، وهذا ما دأب عليه المستبدون دائما، فمنهم من قال لهم: صراصير أو حشرات أو جراثيم أو فئران أو شذاذ الأفاق، أو حتى البعض لم يراهم فقال لهم (من أنتم)، كل مجتمع ومصطلحاته الدارجة، أما فرعون فتابع قائلا: دعوني حتى أقتل لكم هذا، (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) أي: لا أبالي منه، (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) يخشى فرعون أن يُضِلَّ موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم، وهذا كما يقال في المثل: "صار فرعون مُذَكِّرًا" يعني: واعظا، يشفق على الناس من موسى.

لقد تآمر إخوته عليه، باعوه بثمن بخس وابتلي بالجسد وعمل بدراهم معدودات، وكانت تتناقله الأيادي، وانتقل إلى فتنة البلاء بالجسد، فقال السجن أحب إلي، وطال عليه السجن فدعا ربه، كدعاء بقية الرسول، (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، فأرسل الله رؤيا إلى عبده ليفرج عن يوسف، ذلك الابن الذي غار منه إخوته لأنه رأى إحدى عشر كوكب، وتلك الشام أرض المحشر والميعاد، وتصبح قصته قصة نبي بلا معجزة، أدار مملكة وخلد اسمه وانتقم ممن حاك ضده المؤامرات بنجاح باهر، وخير ووفرة بعد سبع عجاف.

وذهبت السنوات وأتت الأيام، وعاد الناس إلى النكران والكفر، ليأتي الله بنبي جديد اسمه محمد، هجر وطرد من مدينته وأرضه، أوذي وشجت وجهه، كيف وهو المؤثر القادم، فالطغاة والحيتان والنظام العالمي آنذاك لا يريد مؤثرا جديدا، فتكالبوا عليه وأخرجوه ومن معه من ديارهم، بلا سند وبلا مستندات، ليسيروا تائهين بين الأراضي والصحاري، ويقفوا عند الحدود، ويأكلوا من خشاش الأرض، لم يكن آنذاك فيسبوك يؤنسهم، أو جوال يوصل صوتهم، بل يقين داخلي بأن الظفر لنا، وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يرى، وأن من يدفع الثمن سيحصل على السلعة.

وكان في كل الأزمان منعكس بافلوف (العالم الروسي الذي اكتشف منعكس بافلوف الشهير) موجودا، فكل زعيم فرعوني يشير إلى قومه بأن خروجكم عن طاعتي، يعني أنكم ستواجهون مصير من صدح بحنجرته بأصوات الحرية المتعالية وشقت حدود السماء والجغرافية، وتجاوزت ختم الجوازات على المعابر، لقد اصطدمت تلك الصيحات مع عمامات المعممين المختلفة ألوانها، والتي هي رتبة دنيوية، عملوا الكثير لأجلها، ولا يحق لشباب صغير أن ينازعنا ملكنا عليها، فأتخموهم بمصطلحات (ريادة الأعمال)(منتديات وملتقيات الشباب)(الجندر والمساواة بين المرأة والرجل)، كما اتخمت فرنسا السوريين يوما بمصطلح (أنتم لكم الجنة وعليكم الزهد لتنالوها، واتركوا الدنيا لنا لنديرها).

اليوم أشرس معركة تلك التي تريد فيها أن تحقق ذاتك، في عالم يبذل قصارى جهده ليجعلك كالبقية، فالمجد سيكون لأولئك الذين يطحنهم العالم كل يوم ويقفون على ناصية الحلم، ويقاومونه بالسخرية والضحك، ينظرون في عينيّ العالم مباشرة ويضحكون.

ولكن، كل ما جرى أعطى الانطباع الصحيح غير مشوش، وأصبح مفهوما لكل حاكم عربي أن ما تعب عليه مئات السنين لإخفائه، فجره شباب عربي هنا وهناك وأصبح منكشفا للعيان، وهذا الشباب الحر اليوم يعاقب، على ما كشفه، وإلى الآن لم يرضخ كغيره، وأكبر دليل، كثرة المؤتمرات والمحادثات والمفاوضات، لتليين المواقف وإنتاج وجوه جديدة، هنا وهناك، لاتصل إلى المبتغى في معرفة رؤوس التأثير وكيف يؤثرون، فكل ما يجري لمعرفة طريقة التفكير الجديدة التي أفرزت تغييرات الشارع العربي والتي لم يستطع رصده كل ما طور لذلك فشلت.

نعم لقد أصبح المجتمع المدني العربي ضعيفا وهشا إلا أنه أكثر تغلغلا، وما نشاهده إعلاميا، هو زبد قال عنه المولى عز وجل في سورة الرعد: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا)..(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) فكل ما تشاهدونه زبد جرفه السيل، فلا الكفاءات هاجرت، بل غيبت، ولا الأحرار ماتوا، بل استكانوا ليعيدوا التكتيكات.

كونوا صابرين ولله قانتين، اكثروا الدعاء والمسامحة في رمضان واجعلوا رمضان القادم اجتماعا على قلب رجل واحد، قلب رجل بدر الذي أيده الله بملائكته، قلب الخنساء التي امتثلت لقوله تعالي (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، أيها الشاب العربي الكريم المخذول الغريب في هذه الأرض، لا تجزع.

اليوم أشرس معركة تلك التي تريد فيها أن تحقق ذاتك، في عالم يبذل قصارى جهده ليجعلك كالبقية، فالمجد سيكون لأولئك الذين يطحنهم العالم كل يوم ويقفون على ناصية الحلم، ويقاومونه بالسخرية والضحك، ينظرون في عينيّ العالم مباشرة ويضحكون، كيف لا وهم ابناء محمد الذي كان أكثر الناس هما وتبسما، لا تيأس وأينما حللت أزهر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.