شعار قسم مدونات

لكم حياتكم ولي حياة

blogs- الخصوصية
في المجتمع الذي أعيش به، التدخل في حياة الآخرين شيء عادي فلا مانع لديهم في أن ينهالوا عليك بالأسئلة الأكثر خصوصية، فإذا قررت أن لا تتزوجي إلا بعد تحقيق أهدافك وطموحاتك، فستواجهين هذا السؤال يوميا، وعليك الإجابة عليه بل وإقناعهم بوجهة نظرك حتى يكفوا عن مسائلتك، ونفس الشيء إذا قررت ألا تنجبي، أو لا تنجبي أكثر من طفل واحد، حتى عندما تشرحين لهم أسباب عدم تفكيرك في الإنجاب حاليا، يتجرؤون ويسألونك عن أي وسيلة لمنع الحمل تستعملين؟؟ ولقد سألت شخصيا هذا السؤال من طرف عدة أشخاص لا تربطني بهم علاقة وطيدة، فأجد نفسي أتساءل في ماذا سينفعهم جوابي عن مثل هذه الأسئلة الخاصة؟؟ ولماذا يتدخلون في هذه الخصوصيات؟ ألا يعرفون حدودهم أم أن الفراغ الذي يعيشونه يجعلهم يتتبعون أحوال الناس وأخبارهم؟

والطبيعي هو أن أي إنسان لديه اشياءً لا يحبذ أن يعرفها الآخرون، أولا يحب نشرها، وهذا بلا ريب حق من حقوقه المشروعة، إلا أننا في بعض الأحيان نفاجئ بغضب بعض الأقرباء والأصدقاء لعدم إخبارهم بخصوصياتنا، ولا أعرف هل يجب في هذه الحالة أن نشرح لهم أسباب تكتمنا عن نشر أخبارنا، أم يجب تذكيرهم بأن لنا حرية الاحتفاظ ببعض الأسرار لأنفسنا؟؟ ولقد حدث أن تكتمت زميلة لي في العمل عن خبر تبنيها لطفلة، وإذا بي أفاجئ بغضب الكثير من الزميلات حال اكتشافهن للأمر، كأن هذا الخبر سيأثر على حياتهن.


عدم احترام اختيارات الشخص الآخر ينم عن عدم قدرة المجتمع في تقبل الاختلاف في نمط الحياة وطريقة التفكير، إذ يعتبرون أننا يجب أن نمر جميعا من نفس المسار والتجارب، أن ندرس ونشتغل ونتزوج ثم نلد 4 أطفال أو أكثر، غير هذا سيخلق لهم أسئلة كثيرة سيصرون على طرحها كلما أتيحت لهم الفرصة.

والمشكل الأكبر، أن أسئلتهم الكثيرة والشخصية لا تتوقف عند فضولهم ورغبتهم في معرفة الحياة الخاصة للآخرين، ولكنها تتطور لتصبح أداة لفرض طريقة عيشهم على الآخرين والتأثير على قراراتهم ومساراتهم، فهم غالبا بعد أن تجيبي على أسئلتهم فإنهم يلجأون إلى إبداء النصائح والمواعظ دون أن يطلب منهم ذلك. وفي الحقيقة مهما حاولنا أن نتجاهل تدخلهم في خصوصياتنا فإننا لا نستطيع تفادي تأثيرها النفسي فمثلا صديقتي التي لا تريد أن تتزوج في سن مبكرة، وجدت نفسها تفكر في الزواج في أقرب وقت فقط لترتاح من كلام الناس وأسئلتهم المتكررة خاصة أن المرأة أكثر عرضة للكلام في مجتمعنا.

شخصيا، أظن أن هذا التدخل العنيف وعدم احترام اختيارات الشخص الآخر ينم عن عدم قدرة المجتمع في تقبل الاختلاف في نمط الحياة وطريقة التفكير، إذ يعتبرون أننا يجب أن نمر جميعا من نفس المسار والتجارب، أن ندرس ونشتغل ونتزوج ثم نلد 4 أطفال أو أكثر، غير هذا سيخلق لهم أسئلة كثيرة سيصرون على طرحها كلما أتيحت لهم الفرصة.

أتساءل دائما ما إذا كان الأشخاص الذين يطرحون هذه الأسئلة يفكرون في نفسية الشخص الذي يسألونه؟ هل تبادر إلى ذهنهم أن المرأة التي لم تلد بعد قد تكون عاقرا، وأن أسئلتهم المتكررة تذكرها كل يوم بعدم قدرتها على الإنجاب وأن الشخص الذي لا يريد أن يتزوج قد يكون مريضا ولا يستطيع الزواج من فتاة أحلامه؟ وأن المرأة المطلقة التي لا تريد أن تفصح عن أسباب طلاقها قد تكون لديها مشكلة جنسية؟.

لماذا لا يقيمون أي اعتبار لنفسية الشخص وأحاسيسه، ولا كم الأذى الذي يمكن لهذه الأسئلة البليدة أن تلحقه بهذا الشخص، الذي ربما لا يريد أن يتقاسم مع المجتمع آلامه ويفضل المعاناة في صمت تجنبا لنظرات الشفقة وضغط المجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.