شعار قسم مدونات

قرار الانتحار شجاعة أم جبن؟

Blogs - انتحار
لا يوجد واحد منا لم يلعن الحياة يوما، رغم ذلك نستميت فيها ونعشقها بكل تفاصيلها. صلصة الحار حراقة تشعل لهيبا لادغا ما إن تلمس مستقبلاتنا الذوقية، مع ذلك نحبها ونتوق لمذاقها حتى أنه لا يكتمل المذاق بدونها، كذلك هي الحياة كلها مشاكل وصعوبات، مشاق وجبال من الهموم والعقبات؛ لكن نحبها ونعشق استمرارها، حتى إننا نخشى الموت، ويظل واحدا من مخاوفنا الأزلية. هل يا ترى الانتحار يعتبر انتصارا على هذا الخوف؟

كون الانتحار من كبائر الذنوب التي يعاقب عليها ديننا الحنيف، لم يمنع من انتشاره وللأسف في مجتمعاتنا العربية المسلمة.. الله عز وجل كرم الإنسان فنفخ فيه روحا تسري في جسده بها يضمن حياته التي تخول له مهمته المقدسة ألا وهي إعمار الأرض وخلافته عز و جل فيها بما يرضيه ووفقا لما تنصه تعاليم دين العالمين. هنا يبرز لي تناقض صارخ بين تعزيز الإنسان بحياة ومهمة وقدر وقضاء يجب أن يعاش، وقرار بالرحيل والهمام بالمغادرة للمضي قدما نحو الموت.

الانتحار كلمة حروفها مشتقة من العالم الوجودي المظلم، حيث يفضي الإنسان إلى تخلصه بنفسه من حياته. وضع نقطة نهاية لقصة لم تتم بعد أحداثها حتى معناها لم يفهم. غالبا ما يكون سببه تلك المشاعر السلبية الناتجة عن المشاكل والاضطرابات الإنسانية اللامتناهية.. أغلبية الأشخاص المنتحرين، هم ضحايا لسعات الندم، الخوف، الحزن، الفقد، الألم واليأس كذلك، ضعف المعتقد والوازع الديني.. لسعات تصيب الإنسان فتدخله في حالة من اللا نظام، حالة حيث تكون كل المبادئ والمعتقدات مختلطة وممزوجة بعجز وانحطاط لكل قوى التحمل.

تغريني الإشارة إلى فلسفة الانتحار عند ألبير كامو الذي وصَفَ كتابه (أسطورة سيزيف) بأنه: دعوة سهلة للعيش وسط الصحراء؛ يقول إنه لا توجد قضية يستحق أن يشنق الإنسان نفسه لأجلها.

في حالة انتصار هاته الحالة على الحالة الطبيعية للإنسان هنا يسقط كيانه من علو شاهق دون أن يسمع صوتا لارتطامه. فتبدأ الرائحة الكريهة للانتحار تنتشر.. لكن أليس من اللازم أن يكون تأثير كل هاته المشاعر والأحاسيس السلبية كهاته الخطورة وأكثر! وإلا لم الصبر مفتاح الفرج؟ لم المؤمن مصاب؟ ولم القرآن يشرح الصدور؟ لم الخطأ والمغفرة ؟ لم رحمة الله تسع الكون؟ لم الاستغفار؟ لم الصلاة؟ لم التوبة ؟ لم الإسلام؟ لم الحياة أصلا؟

السبب الوحيد لكل هذا هو عدم انتصار حالة اللا نظام تلك على حالة النظام الإسلامي الجميل. لن نتمحك خلف ستار الهم والغم لنصنع لأنفسنا قرارالخروج من باب وهمي لا أكثر؛ باب الانتحار.. بدل القرار الفعلي ألا وهو المواجهة؛ مواجهة ثنائيات الوجود، الأبيض والأسود، الفرح والقرح.

ما أظن أن الحياة ستكون جميلة لو كانت منبسطة دون عقبات! وإلا قتلتنا الرتابة والتكرار كلمتان من سمات جهنم، ففي جهنم يعذب الإنسان ويعذب و يعذب. بحد ذاته الانتحار تناقض من نوع قيمي، فكيف لنا أن نتخلص من روح مقدسة بحبوب منومة أو حبل؟

للتوسع أكثر بأسطري، تغريني الإشارة إلى فلسفة الانتحار عند ألبير كامو الذي وصَفَ كتابه (أسطورة سيزيف) بأنه: دعوة سهلة للعيش وسط الصحراء؛ يقول إنه لا توجد قضية يستحق أن يشنق الإنسان نفسه لأجلها، فحتى غاليليو، والذي قاده كهنة الدين إلى المشنقة حين ادّعى أن الأرض تدور، تراجع عن رأيه حين تيقّن أنه سيفقد حياته. يقول كامو وما أهمية أن نعلم أن الأرض تدور أم لا؟ لا أحد يكترث لهذا حين يصل الأمر لفقدان الحياة!

يقول كامو إن معظم المفكّرين المؤيدين لفكرة الانتحار ويصفون هذا الفعل بالشجاعة لم ينتحروا، وعلى رأسهم الفيلسوف الشهير شوبنهاور، والذي كان يكتب عن الانتحار بينما يجلس على مائدة بديعة.. نعم ما من شيء يستحق أن نشنق نفسنا عليه، أن نذهب ملكاتنا ونخمد حواسنا… ما من شيء يستحق أن يحرمنا من الهواء العبق، من ألوان الحياة، من الشمس، من قطرات الشتاء الباردة، من الفراشات والزهور، من كل الأحاسيس الإيجابية؛ من طاعة الله، من الطمع في الفردوس، من نيل رضا الله وأجره وتوابه.. ما من شيء قط!

الحياة ميزان قوي لن يتحقق توازنه إلا بامتلاء الكفتين، كفتين تحملان ثنائيات من البديهي وجودها؛ حزن سعادة، نجاح فشل، غنى فقر، حب حرمان، قائمة بذاتها لا تحتاج لا منطق ولا تفسير.. هكذا هي قواعد اللعبة، فبين شجاعة مواصلتها إلى آخر رمق وجبن مغادرتها دون إذن؛ لنا الخيار!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.