شعار قسم مدونات

الروح وما تهوى

blogs- الحب

العلاقات بين البشر، بعضها قوي متين كقوة العقيدة الراسخة لا تزعزعه ظروف ولا تهزه مصالح، وبعضها مظهره كأبهى ما يكون لكن تصفر الريح في جسده الخاوية، بعضها تقويه الأيام وتصقله الشدائد، وبعضها يتداعى وهو لايزال في البدايات.

 

من البشر من تقضي عمرا بقربه دون أن يحرك فيك جفنا أو يلمس في قلبك مكانا، ومنهم من تُشبع نظرة منه عطشك لسنين طويلة، فيهم من لا تملك أن تعيره اهتماما، وآخرون لا تملك إلا أن تعيرهم كل الاهتمام. منهم من تُباعد بينك وبينه مسافات وأقدار ويبقى لصيق الروح والفؤاد، وفيهم من لا تقوى إلا على فراقه، ومنهم كثيرون سقطوا بين السطور وبقوا في قلبك دون تصنيف، ومنهم ومنهم ومنهم. هي الروح سر من أسرار بارئها سبحانه!

 

هي الروح بقدسيتها وتفردها، نفحة من نفحات الخالق ونفخة من روحه، تألَف من تألَف فلا نملك عليها سلطانا وتعاف من تعاف فلا نملك لها جُبرانا، لا تستأذننا قبل أن تهوى ولا تستشيرنا عندما تنفُر، قوانينها مقضية وأحكامها نافذة وأمرها ليس من اختصاصنا، لها فلسفتها عندما تُحب وتَكره وعندما تشتاق، عالم خاص مفاتيحه بيد الخالق وحده، بداخله سعادة الإنسان وشقاؤه.

 

يُقال أن الحُبُّ قد سمي حُبّا لأنه لُباب الحياة تماما كما أن الحَبّ لُباب النبات، وبما أن الحُبّ هو أسمى ما يحكم العلاقات بين بني البشر ويمثل أوج التواصل الاجتماعي فيما بينهم، فإن سموه هذا يرجع إلى خصوصية الروح ذاتها

الروح هبة الله للبشر، فيها تَميّزُهم ومنها اختلافهم وتمايزهم، هي كما وصفها سيد الخلق "جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"، هي لُب الإنسان وخلاصة تكوينه وبوصلته.

 

يُقال أن الحُبُّ قد سمي حُبّا لأنه لُباب الحياة تماما كما أن الحَبّ لُباب النبات، وبما أن الحُبّ هو أسمى ما يحكم العلاقات بين بني البشر ويمثل أوج التواصل الاجتماعي فيما بينهم، فإن سموه هذا يرجع إلى خصوصية الروح ذاتها ويستمدها منها، ولذلك فإن أسمى علاقات الحب على الإطلاق هي التي ترقى إلى مستوى تلامس الأرواح وارتقائها بعيدا عن الجسد والمادة والاعتبارات البشرية وهو ما يسمى بـِ "الحب الحقيقيّ".

 

إن من ذاق نشوة الحب الحقيقي عرف أن وصال الأرواح هو الحب الذي لا يمكن أن يعدله حُب، هو حالة التقاء الروح بخليلها، تلك الحالة التي لا يعدلها احساس ولا تضاهيها مشاعر ولا يرتقي لسموها وصف، هي ما يحيطها هالة من الغموض اللذيذ والسحر الخاص الذي كانت ومازالت البشرية مذ وجد الإنسان تحاول تحليلها وتحديد ماهيتها، هي ما دأب المفكرون والشعراء والكتاب والمغنون عبر العصور يحاولون سبر أغوارها والاستزادة منها، هي التي قال عنها جبران خليل جبران "قاتل الجسم مقتول بفعلته وقاتل الروح لا تدري به البشر".

 

إن كان هذا حال الروح عندما تحب قرينها فكيف بها إن أحبت بارئها، إن أحبت من ليس كمثله شيء، واهب الحياة بما فيها ومن فيها، خالق الروح ببساطتها وتعقيدها. عندما تهيم الروح بحب مالك الروح يصبح الحُب كلمة ليس إلا، كلمة تعجز حتى مع استعانتها بمرادفاتها (التي تزيد في اللغة العربية عن خمسة عشر اسما) عن تجسيد الحالة أو توصيف الشعور. عندما تذوق الروح حلاوة القرب من أصل سعادتها ومصدر راحتها يصبح باقي ما تبقى مجرد تفاصيل ليس إلا.

 

ليس الهدف هنا أخذ العلاقة بين المخلوق وخالقه نحو التصوف والمبالغة بالروحانيات وتقديس الحب إلى الحد الذي قد يُطلب فيه الشعور بحد ذاته ويصبح هدفا يُسعى ورائه ويفتعل في بعض الأحيان، بل الهدف هو الإنصات لصوت الروح داخلنا واستشعار معجزة الخالق فينا وشكره عليها من خلال فهمنا واحترامنا لها. أرواحنا التي في صدورنا من صنع الله وصنيعه، وبديع الصنعة من بديع الصانع، فتبارك الخالق فيما خلق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.