شعار قسم مدونات

وما يسطرون (1)

blogs- اكتب الدينية
تعتبر الكتب الدينية من أكثر الكتب التي تشد القارئ بغض النظر عن الديانة، فالحاجة الملحة إلى القوانين واللوائح التي تنظم حياة الانسان وعلاقته بالأخر تجعله أكثر شراهة للاطلاع على مثل هذه الكتب، وبعبارة أوضح الحاجة الى (الإله).

وتثبت ذلك أنه وحتى قبل هذه الكتب كانت فكرة وجود الإله موجودة لدى قدماء الإغريق وفكرة وجود القوة الأكبر التي تهيمن على الانسان وعالمه ووجود المكافأة والعقاب من هذا الإله تستولي على عقول الفلاسفة والمفكرين القدماء.

أما الآن، وفِي منطقتنا تحديداً اكتسبت الكتب الدينية الأهمية الكبرى لدى القوى التي تسيطر على صنع الحدث في الشرق الأوسط، وفِي غياب العقل العربي عن أهمية هذه الكتب وما تحويه من نبوءات وعلى رأسها (القرآن الكريِم)، فقد قامت هذه القوى بتحليل ودراسة واستشراف جميع هذه النبوءات والتي وفي كواليس عملياتها ودون إفصاح عن هذا الشيء تعمل على تسيير الأمور طبقاً لهذه النصوص وما تحويه من أسرار إلهية ساعدتهم على أن يعلوا "علواً كبيراً".


هذه العقيدة ساعدت على قيام إسرائيل، وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها والوقوف معها في السراء والضراء، بل واستثناءها من الانصياع للقوانين والمواثيق الدولية لأنها الوسيلة التي ستعجل عودة المسيح.

واستطاع اليهود في نهاية القرن التاسع عشر إقناع النصارى بأن عودة المسيح عليه السلام متوقفة على إقامة هيكل داوود عليه السلام مرة أخرى، وأن النصوص العهد القديم تؤكد ذلك، وعلى هذا الأساس تكون ما يسمى بالصهيونية المسيحية الإنجيلية القائمة على الإيمان بعودة المسيح، وأن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل، وتجمّع اليهود في فلسطين، وبناء هيكل داود المزعوم.

هذه العقيدة ساعدت على قيام إسرائيل، وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها والوقوف معها في السراء والضراء، بل واستثناءها من الانصياع للقوانين والمواثيق الدولية لأنها الوسيلة التي ستعجل عودة المسيح.

وهناك الكثير من الحركات الدينية المسيحية الإنجيلية الأصولية، في بريطانيا والولايات المتحدة (حوالي 250 منظمة) أهمها وأخطرها (الحركة التدبيرية)، التي نشأت في الولايات المتحدة، بعد قيام دولة إسرائيل. وتضمّ في عضويتها أكثر من 40 مليون أمريكي (في أواسط الثمانينيات)، ومن بين أعضائها الرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد ريغان).

وتسيطر هذه الحركة على الكثير من قنوات الإعلام الأمريكي، وتمتلك محطات تلفزيون خاصة بها، ويشارك قادتها (أحيانا) كبار المسؤولين في البيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، ووزارة الخارجية في صناعة القرارات السياسية والعسكرية، المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي والتي تتماشى مع مصلحة الدولة الصهيونية.

لقد أبدع المحللون السياسيون وازداد عملهم وامتلأت جيوبهم، فالكلام في الأحداث وتحليلها والثرثرة فيها أصبح أمراً يغني المحطات الفضائية واصحابها ويشغّلها ويثري عملاءها لتصبح أداة لنقل الحدث والتحليل على أعقابه بترهات لا يأبه من هم في "كواليس العالم" لها فهي نهاية الامر تجارة لبيع الكلام وشراءه للقيام بوظيفة "التضليل" على أكمل وجه.

كما أبدع الغرب في القصص التي لفقوها في العقدين الاخيرين، وما يسطرون الا ترهات وتبريرات لحروب قضت على امم واجيال أكثر من ان تقضي على ارهاب وإرهابيين، بل وأرى ان هذه الجماعات بازدياد وكأن الحرب لهم وليست عليهم، وكأنهم سطر في نصوصهم التي كتبوها وحاشية المجلد الذي يقومون بتنفيذه على ارض الواقع، لم أرى الا آهات المسلمين ودماء "السنة" قصداً هنا وهناك باسم الدين وهو بريء منهم، باسم الشريعة وهم الأبعد عنها، أكاد أجزم أن هذه الجماعات صنعت في تلك الكواليس بجدارة والجزء الاصعب والأكمل فيها.

هناك في "كواليس العالم" معروف أن حرب سوريا ليست للنظام مع شعبه ولكنها حرب لتفريغ سوريا من شعبها وتوطين اليهود فيها، معروف أن العراق لم تسقط النظام السابق للتحرر من ديكتاتورية مزعومة بل لتطبيق نص في التوراة " لتحرير بابل" ووضعها في يد العملاء.


تُرجمت هذه النبوءات والنصوص لتتحول الى سياسات عظمى معكوسة تضرب الأمة الوسطى عن قصد لإضعافها، وتلك السياسات مرؤوسة بالإعلام الذي أصبح الْيَوْمَ وبكل وضوح يقصد تدمير الأخلاق وفساد الأجيال ضمن الخطة الموضوعة في الكواليس.

وكمثال فإن خطة العدوان على العراق هي خطة إسرائيلية وضعها ريتشارد بيرل، وهو صهيوني أمريكي كان يترأس مجلس السياسات الدفاعية بالبنتاجون ويعمل مستشارا لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وقد أعد هذه الخطة بمشاركة عناصر من اللوبي اليهودي الصهيوني وجرى اقناع الرئيس بوش بتبنيها، لتبقى تحت السيطرة وتبقى منطقة مشتعلة بالفتن وتكون في النهاية حلم اليهود الذي سيتحقق على أيدي الفرس الذين لم تخلو كتبهم السالفة منها والآنفة من الكره الصريح للعرب وأرضهم، فلا تستغرب أن الفرس هم العميل الاول والأخير لليهود في المنطقة.


يتم الاستناد الى هذه النصوص وأن اليهود لم ينسوا أبدا تخريب دولتهم الأولى على يد ملوك بابل، كما تنص عليه توراتهم في أكثر من ثلثها، وهم ينسبون ذلك إلى نبوخذ نصر وهو ما يُسمّى تاريخيا (السبي البابلي).


كما يعتقد اليهود بأن تخريب دولتهم الثانية سيكون أيضا على أيدي البابليين وهم أهل العراق، وهم لذلك يرغبون وبقوة في ضرب العراق وتدميرها انتقاما من وعد المرة الأولى وتفاديا لوعد الآخرة (المرة الثانية) كما في قوله تعالى: (
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) ولذلك قاموا بتزوير التوراة، وملؤوها بمشاعر الحقد والقهر والنقمة والرغبة في الانتقام، ومن أمثلة ذلك هذا النص من التوراة: "داس مُضطهدونا أعناقنا، أُعيينا ولم نجد راحة، خضعنا باسطين أيدينا إلى أشور ومصر، لنشبع خبزا، " والنص الآخر كما جاء في التلمود عن العرب: (كانوا قادة تخريب الهيكل مع نبوخذ نصر).

تُرجمت هذه النبوءات والنصوص لتتحول الى سياسات عظمى معكوسة تضرب الأمة الوسطى عن قصد لإضعافها، وتلك السياسات مرؤوسة بالإعلام الذي أصبح الْيَوْمَ وبكل وضوح يقصد تدمير الأخلاق وفساد الأجيال ضمن الخطة الموضوعة في الكواليس.

وتكمن العوامل التي ساعدت على تطبيق هذه السياسات في ضعف الوازع الديني حيث أصبح الدين مسمىً يوضع في البطاقات التعريفية، اسم يحملنا ولا نحمله، بينما عند غيرنا هو قاموس لاستيراد المصطلحات الراسخة لتشكيل جمل القوة والسيطرة على ما وهن من أمتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.