شعار قسم مدونات

وقضى الاحتلال ألا يخرجوا

blogs - hand
أحدثكم عن أناس لم يروا الأحبة منذ زمن بعيد، أناس أسرتهم الجدران والزنازين، بفعل الحاقدين فاقدي الحرية، إنهم الأسرى الذين مل الأسر منهم!
 
هذا شاب لم يكمل العشرين، بل لم ينهي طفولته القانونية حسب قوانين البشر، أكمل العشرين والثلاثين وما بعدهما في الزنازين التي لا تتمتع بمقومات الحياة الكريمة، الزنازين ضيقة المساحة واسعة الأمل، الأمل بنسمة هواء بطعم الحرية، الأمل بالصلاة في القدس، والتجول في بيت لحم، الأمل ببضع خطوات مع الأحبة على شواطئ بحر غزة.

فتيات وشباب وأطفال تم اختطافهم من بين أجمل أيامهم ليقضوها في الأسر بعيدا عن أُسرهم وذويهم وأحلامهم التي لم يكملوا رسمها في خيالهم حتى.

في إحدى المناسبات جاء إلى مدرستنا أحد الأسرى المحررين ليلقي محاضرة للطالبات، فكان مما قال أن الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال "ما عندهم وقت"…

"تم اعتقال فلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة"، هذا الخبر الذي يذاع في كل نشرة أخبار فلسطينية يومية يؤلم الكثير، ويبعث خيبة أمل كبرى لدى فئة كبيرة من المجتمع الفلسطيني الذي يدّخر في رصيده أسرى قدامى منذ عقود من الزمن، وضعوا بين جدران ضيقة هي أشبه بالقبور.

كنت قد رأيت في هذه الفترة أسيرا فلسطينيا من الضفة يودع زوجته وأطفاله وهو مقيد اليدين لم يملك إلا قبلات طبعها على جبين محبيه، إلى أن يلقاهم مرة أخرى بعد أجل غير معروف.

هذا موقف من المواقف التي تصادر فيها حرية أحدهم، ويصادر فيها أيضا الدفء والأمان لدى أسرة ما عندما تفقد الأب أو الأم أو أحد الأبناء سواء البالغين أو القاصرين.

شباب وصبايا خطفوا وهم أطفال صغار تركوا ألعابهم ورفاقهم وكتبهم ومدارسهم خلفهم، وهناك كبرت أجسادهم وأرواحهم وأصبحوا رجالا ونساء وسط الغرباء، بعيدا عن الأهل الذين لم يروهم إلا عبر الألواح الزجاجية أو لمحوا بعض التغيرات عليهم أثناء المحاكمات الوهمية وتفاجأوا بهم كبارا وفي عيونهم عناد وإصرار أنهم أكبر عقلا من معتقلِيهم.

عندما تتصور نفسك وقد وضعت في مساحة محدودة، وأنت مطالب بألا تمارس حياتك اليومية إلا بقوانين وضعها الآخرون لك، فالطعام والشراب والهواء والشمس والنور، والاستيقاظ والنوم بقوانين صارمة وصادمة، هذا إن توفرت بشكلها الصحيح أصلا، فحينها ستقول لأسرانا أعانكم الله، وفك قيدكم وجمعكم بأهلكم في القريب العاجل، وستظل وقتها تصلي لأجل هؤلاء المصابيح المنيرة في سماء القدس ولأجل القدس.

"أيها القيد كن بردا وسلاما على أسرانا"، أذكر في إحدى المناسبات جاء إلى مدرستنا أحد الأسرى المحررين ليلقي محاضرة للطالبات، فكان مما قال أن الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال "ما عندهم وقت"، فنظرت الطالبات باستغراب، فقام بشرح الموقف قائلا "إن الأسرى يضعون لأنفسهم برامجا يومية لحفظ القرآن وتبادل الخبرات فيما بينهم والانتساب للجامعات ودراسة العلوم المختلفة"، وكان أبلغ ما قال أنه في إحدى المرات صمم أحد الأسرى من حذائه ختما لتوثيق الشهادات للدورات المختلفة داخل السجون.

"من نعالهم يصنعون ختما ولنعالهم يجب أن ننحني"، مهما تحدثت فلم أتقن ولن أبلغ فنظرة أسير وابتسامته أمام قضاة الاحتلال هي أفصح الكلام.

ولكن يجب أن تكون قضيتهم مركزية ويجب أن تبيّض السجون تماما فعلا وليس قولا، ويجب أن يعود كل الأسرى لبيوتهم فرحين مستبشرين بحريتهم وبلقاء أحبتهم وليعمل الجميع جاهدا على أن يكون العام القادم عام الحرية الكاملة لهم فلا يجب أن يقضي الاحتلال ببقاء المصابيح المنيرة خلف القضبان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.