شعار قسم مدونات

هل كان حال أمتنا أسوأ مما نحن عليه الآن؟

knight
تعيش أمتنا الإسلامية مرحلة من أسوأ مراحل تاريخها الطويل، فلا يكاد يوجد مكان فيه مسلمين إلا وترى القتل والذبح والاضطهاد فيهم، دون أن يكون لأمتنا أي قدرة على رد الظلم والعدوان الواقع عليها من الأمم التي تحاربها. فعند رؤيتك لحال أمتنا اليوم تصاب بحالة يأس وإحباط شديد من الواقع الذي تراه، فمصر سيطر عليها العسكر ينهبون فيها كيفما يشاؤون، وتونس تعيش مرحلة صعبة من الاضطرابات و الفلائق بعد عودة فلول النظام السابق إلى الحكم من جديد، واليمن السعيد يعيش في حرب مستمرة تستنزف كل موارده وطاقاته، وليبيا أصبحت منقسمة على نفسها فلا يوجد حكومة مركزية تستطيع السيطرة على البلاد.
 
الخلافة العباسية كانت لا تسيطر إلا على بغداد ولا حول لها ولا قوة خارجها، وكل إمارة مستقلة بذاتها تحارب الأخرى على أتفه الأسباب، فالشام كانت مقسمة بين الأمراء الأيوبيين وكل أمير يحارب الآخر!

أما سوريا فهي الجرح الأكثر وجعاً وإيلاماً في أمتنا؛ فالثورة السورية سقطت مع سقوط حلب ووقف إطلاق النار الشامل الذي أعلنت روسيا وتركيا في وقت سابق، وفلسطين أسيرة لدى الاحتلال الصهيوني منذ 70 عاماً ولا تزال تعاني الأمرين من هذا الاحتلال الغاصب، وأينما نظرت ترى الضعف والوهن الشديد الذي أصاب أمتنا الاسلامية والعربية فهل كنا أسوأ من حالنا اليوم؟

نعم لقد كنا أسوأ من هذا، ففي أواخر الخلافة العباسية ظهر التتار بقيادة جنكيز خان الذي اجتاح الحدود الشرقية للدولة الإسلامية التي كان يسيطر عليها الخوارزميون، وسقطت الدولة الخوارزمية سقوطاً مروعاً وسريعاً أمام قوة التتار الهائلة، وفعل التتار ما لا يمكن وصفه في المسلمين الذين أصبحوا يذبحون مثل الخراف دون أن يكونوا قادرين على فعل أي شيء. مات جنكيز خان وظهر الخلاف بين أبنائه في تقاسم دولته مترامية الأطراف، ليتوقف الزحف المغولي على الخلافة العباسية لمدة 30 عاماً، دون أن يحاول المسلمون القيام بأي استعداد من أجل مواجهة الخطر القادم من الشرق، بل بدلاً من ذلك زادت الفرقة بين المسلمين.

فالخلافة العباسية كانت لا تسيطر إلا على بغداد ولا حول لها ولا قوة خارجها، وكل إمارة مستقلة بذاتها تحارب الأخرى على أتفه الأسباب، فالشام كانت مقسمة بين الأمراء الأيوبيين وكل أمير يحارب الآخر من أجل السيطرة على إماراتها، وفي مصر، كان المماليك والأيوبيون يتصارعون من أجل السيطرة على كرسي الحكم. في هذه الظروف الصعبة التي كانت تعيش فيها أمتنا ظهر خطر التتار من جديد بقيادة هولاكو الذي اجتاح بلاد فارس، وبدأ يعد العدة لاجتياح عاصمة الخلافة العباسية بغداد، التي كانت قد قلصت قواتها من 100 ألف جندي إلى 10 آلاف جراء نصيحة الوزير مؤيد الدين بن العلقمي الذي كان يراسل التتار من أجل إسقاط الخلافة العباسية.

لم يكن التتار هم الخطر الوحيد الذي يهدد أمتنا الإسلامية، بل كان الصليبيون يستعدون من أجل مهاجمة مصر بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع الذي استطاع احتلال دمياط، في الوقت نفسه توفي الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي كان يستعد لمحاربة الصليبين، واستطاعت زوجته شجرة الدرة كتم الخبر عن الجند لتقود المعركة ضد الصليبيين بمساعدة قادة جيشها المماليك والذين استطاعوا هزيمة الصليبيين في معركة المنصورة وأسر ملك فرنسا لويس التاسع.

لم تكد الأمة تفرح بانتهاء الخطر الصليبي على مصر حتى بدأ التتار بمحاصرة بغداد من أجل إسقاطها، واستطاع هولاكو بمساعدة بن العلقمي السيطرة على بغداد، وقتل الخليفة المستعصم بالله، وبدأ التتار يذبحون في أهل بغداد لمدة 40 يوماً، وهدمت أعظم مكتبة في ذلك الوقت "بيت الحكمة" وألقيت مئات الألوف من الكتب في نهري دجلة والفرات حتى أصبح لونهما أسودا من كثرة الكتب التي رميت فيهما.

لقد بلغوا من اليأس والإحباط ما بلغنا وأشد، حتى قيض الله لهذه الأمة سلطان العلماء "العز بن عبد السلام" والقائد الفذ "سيف الدين قطز" الذين استطاعا إنقاذ الأمة من الاندثار على يد التتار.

لم يتوقف الزحف المغولي بعد سقوط بغداد؛ بل اتجه نحو بلاد الشام، لتسقط الإمارات الأيوبية المتناحرة الواحدة تلو الأخرى دون إبداء أي مقاومة للجيش المغولي الذي كان يوصف بأنه الجيش الذي لا يقهر. في هذه الظروف العصيبة ظهر سلطان العلماء الشيخ العز بن عبد السلام ليحرض المماليك على مواجهة خطر التتار الذي اجتاح العالم الإسلامي، فطالب الشيخ بعزل السلطان المنصور نور الدين علي بن السلطان عز الدين أيبك الذي كان يبلغ من العمر16 عاماً، فاستجاب المماليك بقيادة سيف الدين قطز لطلب الشيخ العز بن عبد السلام، وتم عزل نور الدين علي، ليتولى قطز الحكم من أجل مواجهة التتار في معركة فاصلة لتحديد مصير أمة الإسلام بكاملها.

في الوقت ذاته كان التتار يستعدون لشأن حملتهم على مصر بقيادة القائد المغولي "كتبغا"، بعد عودة هولاكو إلى عاصمة دولة التتار في منغوليا بعد وفاة منكو خان زعيم دولة التتار. استطاع السلطان المظفر قطز من الانتصار على المغول في معركة عين جالوت الخالدة ليعيد الأمة من جديد إلى سابق عهدها، بعد أن كانت على وشك السقوط على يد التتار، حتى قال المؤرخ الإسلامي الشهير "ابن الأثير" عن قصة ظهور التتار وهو الذي لم يرى إلا بوادر ظهورهم "لقد بقيت سنين عديدة معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها، فأنا أقدم قدماً و أؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه كتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني، و يا ليتني كنت نسياً منسياً".

لقد ضاق الحال بأمتنا اليوم كما ضاق الحال بأمتنا عند ظهور التتار، وبلغوا من اليأس والإحباط ما بلغنا وأشد، حتى قيّض الله لهذه الأمة سلطان العلماء العز بن عبد السلام والقائد الفذ سيف الدين قطز الذين استطاعا إنقاذ الأمة من الاندثار على يد التتار، فلا يجب علينا اليوم اليأس من واقعنا، بل واجبنا جميعاً أن نحارب من أجل استعادة مجد أمتنا التليد، كل في موقعه ومجاله، ولا يقول أي فرد منا لا أستطيع تقديم أي شيء، بل تستطيع تقديم الكثير والكثير كل حسب استطاعته وقدرته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.