شعار قسم مدونات

قبل 14 عاماً الحرب قد قرعت في بغداد

blogs غزو العراق

في العشرين من آذار عام 2003م تحركتْ جيوشُ الحقد ومن معهم لاحتلال بغدادَ، رافقَ ذلكَ الإعلانِ المشئومِ والذي تلاهُ بوشُ الابن، قصفٌ هستيري طالَ أحياءَ بغدادَ، فتحولتْ إلى ركامٍ يحيطُ بها الموتُ من كلِ جانبٍ.  بدءَ الغزوُ الأميركي للعراقِ صبيحةَ يومِ 20 من العام 2003، بانفجارات ٍ وغاراتٍ جويةٍ في العاصمة بغدادَ، فتصريحُ القيادةُ الأمريكيةُ هو بدايةُ الحربِ والتي أطلقَ عليها "الحريةُ من أجلِ العراقِ"، فعبرتْ جحافلُ قواتِهم ووصلتْ إلى سياجِ ميناءِ أم قصرٍ وشبهٍ جزيرةِ الفاو، أما القواتُ البريطانيةُ فقد وصلت قبالةَ ابي الخصيبِ وقطعَ جميعَ الطرقِ المؤديةِ إليها .وفي أعقابِ ذلكَ الغزو ما لبثَ أن شاحَ السوادُ بحاضرةِ بني العباسِ، وكإن الكوارثُ قد أطلقتْ عنانَها بذلكَ الفجرِ الجديدِ والذي سيكونُ مقدمةَ المصائبِ والتي ستحلُ علينا تباعاً . 

لم يكنْ العشرون من آذار في ذلكَ العامِ سوى بدايةٍ لمأساةِ حقيقيةُ، بعدَ انْ تجَّردتْ الذاتُ من عنفوانِها، ليصبحَ المستقبلُ أكثَر قتامة ٍمن تأريخِ العراقِ الحديثِ.  ففي ذلكَ اليومِ قالَها بوشُ الأبنِ "تحركتْ جيوشُنا لتخليصِ الشعبَ العراقي"، ويا ليتَ نبضاتُ قلبِه ِقدْ توقفتْ منذُ ذلكَ الحينِ، فصياغةُ الحروفِ لديهِ قائمةٌ على القتلِ والتدميرِ لهذا الشعبِ. بدأتْ القنابلُ تنهالُ على بغدادَ، فتحولَ صمتُها إلى عويلٍ وبكاءٍ، تخالطتْ بهِ نفوسُ منْ أرادَ شقَ الوجودِ، وأصبحتْ الثواني كأنها سنواتٌ عجافٍ، وأميالُها قد توقفتْ أمامَ السيلِ الهادرِ، والذي طغى على جنبيِه ِمن شدةِ الأهوالِ، والتي ما برحتْ حتى تدخلَ بكلِ بيتٍ على جنبِي الرصافةِ والكرخِ. 
 

تحركتْ جيوشُهم وكانتْ الغلبةُ لتكنلوجيا التطورِ، امام َبلدٍ وجيشٍ انهكَهُ الحصاُر والذي فرضَ عليهِ منذُ تسعيناتِ القرنِ الماضي، فأصبحَ فريسةً سهلةً أمامَ مخالبِ شرِّهم، فاستطاعوا بطائراتِهم ان يحسموا الكثيرَ من المعاركِ في الأيامِ الأولى من بدءِها

في الأسابيع الأولى من بدءِ المعاركِ لا زالتْ الذكرياتُ تحتفظُ بشيءٍ من ذلكَ الفجرِ المؤلمِ، والذي ما كانَ لهُ انْ يكونَ لولا شريعةُ الغابِ والتي تحكمُها الرأسماليةُ في دولِ الغربِ والذين حولوا الشعوبَ إلى حقلِ تجاربٍ، وكان العراقُ احدَ تجاربِهم المرةِ.  كانتْ الصواريخ تنهالُ كالمطرِ على بغدادَ، فأرادوا لها الصدمةُ والترويعُ، شُلَّتْ ايديهم فقدْ عبثوا بكبريائها، وتجمهروا حولَ شحيبِ لونٍ وجهِها، رافعينَ السيفَ الملطَّخِ بالدماءِ، فقتلوا الروحَ التي علَّمتْ العالمَ الحبَ والإباءَ. 

لم يكنْ قرارَ احتلال العراقِ الذي أصدرَهُ الرئيسُ الأميركي آنذاك بوشُ الأبنِ، سوى بدايةِ دوامةُ العنفِ والتي حرقتْ الأخضَر واليابسَ، فعندما تخلى العالمُ عن قيمهِ وتركوا الثورَ الهائجَ "أمريكا" تدمُر بلداً كاملاً وتقضي على كلِ شيءٍ فيهِ، دونَ أيِّ نازعٍ، عندَ ذلكَ الوقتِ علمَ الجميعُ انْ التأريخَ سوفَ لنْ ولنْ يعودَ إلى الوراءِ، علهم ينأونَ بأنفسِهم وما علموا انْ النيرانَ سوفَ تصلَهم عاجلاً أمْ أجلاً. 

تحركتْ جيوشُهم وكانتْ الغلبةُ لتكنلوجيا التطورِ، امام َبلدٍ وجيشٍ انهكَهُ الحصاُر والذي فرضَ عليهِ منذُ تسعيناتِ القرنِ الماضي، فأصبحَ فريسةً سهلةً أمامَ مخالبِ شرِّهم، فاستطاعوا بطائراتِهم ان يحسموا الكثيرَ من المعاركِ في الأيامِ الأولى من بدءِها، على الرغمِ من مقاومةِ بعضُ الجبهاتِ لهم ومنها جبهةُ أم قصرٍ والتي صمدتْ أكثرَ من أسبوعٍ، لكنْ المعاركَ قدْ وصلتْ العاصمةَ، وبدأتْ ساعةُ الصفرِ لاحتلال بغدادَ تصلُ إلى ذروتِها.  منذُ ذلكَ الوقتِ تفرقَ العراقيون إلى قسمينِ، القسمُ الاولُ وهم منْ رحبوا بالاحتلالِ من الشيعةِ والأكرادِ، ظنوا أنْ دخولَ الأميركان إلى بغدادَ تحريرٌ لهم، ورأى السنةُ فيهِ هو أصلُ الاحتلال. 

عمدَ المحتلُ تقسيمَ البلادِ إلى طوائفَ دينيةٍ وعرقيةٍ، واضطَّرَّ مئاتُ من آلافِ إلى النزوح ِعن مناطقِهم نجاةً بأنفِسهم من عنفِ طاحنٍ بفعلِ أمريكا والتي ساعدتْ على التغييرِ الديموغرافي وتشتيتِ السنةَ لأنَّهم قاوموا هذا المشروعَ ولم يستسلموا أبداً.  وباتَ العراقُ اليومَ، بفضلِ هذا الاحتلال، محلَ أطماعِ دولٍ إقليميةٍ ودوليةٍ، وساحةً لحروبِ الوكالةِ، وانتشر التطرفُ لجماعاتٍ حُسِبتْ على السنةِ لتدميرِ المشروعِ المقاومِ، وسادتْ المليشياتُ الشيعية ُوالتي فتكتْ بالدماءِ ليل نهار .

أما الجانبُ الاقتصاديُ، فقدْ تفاقمتْ المأساةُ في العراقِ الجديدِ، حتى أصبحَ السكانُ يعيشونَ تحتَ خطِ الفقرِ . فالعراقُ الذي كانَ يوماً أحدَ أغنى دولِ المنطقةِ، أمسى اليومَ فقيراً اسيراً انتشرَ الفسادُ فيهِ بكلِ مفاصلِ الدولةِ والتي عمدَ إليها المحتلُ.  إن الولاياتُ المتحدةُ والتي غزتِ الشرقَ الأوسطَ بمصطلحٍ أسمتَهُ "محاربةَ الإرهابِ" لتبريرِ تواجدَها وتبريرِ غزوَ العراقِ. لمْ يتوقفْ المحاربون الجددُ من تنفيذِ مخططِهم ِ، فنراهم يتدخلون بشكلٍ مستمرٍ لإعانةِ حليفَهم في العراقِ بالرغمِ من إعلانِهم الانسحاب من العراقِ قديما، فمعركة الموصل هي إحدى تدخلهم الجديد في العراق الجديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.