شعار قسم مدونات

فضيحة الضحية

مدونات - الندم

تناقضاتٌ غريبة ومواقفٌ عجيبة تستوقف حياتك أيها الإنسان "العاقل" في مجتمعٍ ليس كلّه عاقل، البعض منّا قد يستغرب ويستهجن فعلاً والبعض الآخر تراهُ مؤيداً ومتعصباً لتلك الجاهلية الحمقاء، بالرغم من أنّ أسباب الواقعة العقيمة، بيّنةٌ وجليّةٌ في تفسيرها اللّامنطقي، ومع ذلك ترى البعض مُتمسكاً بتلك الأسباب الواهية ومستدلاً بذلك التفسير الغبي.
 

أن تفعل حسناً، ثم تكتشف أنك أخطأت فتجد من حولك قد أسدلُوا عليك وشاحاً أسوداً أبديّ، مع عِلمهم بحسن نيّتك وأنك لم تقصد الخطأ.
أن تفعل حسناً دون أن تخطئ وضمن حُدودك الطبيعية جداً لحياتك وفطرَتك، فيُزاح ذلك الوشاح الأسود عنك وتجد البعض ما زالت عيونهم تعكس ذلك السّواد.. أن تفعل الأبيض لتنال الأسود!
أن تُقتل ولكن بنظرِهم تكون أنت القاتل.. أن تثقَ بأحدهم وحين يخُون الثقة يضعون اللّوم عليك.. أن تتألّم لأجلهم فتكون أنت من سبّب ذلك الألم..
 

يُقتل الطفل المسكين في بطن أمه بحجّة نسبه المجهول.. تُولد الأنثى فتنهالُ نظرات الخزي والعار على الحامل والمحمول بحجة أنّ الذكر هو من يجب أن يخرج فقط.. يُكتب عقد تلك الأنثى على من لا ترضاه بحجة عاداتٍ وتقاليد.. تُرمى سهام الطّلاق عليها فتصبح بنظرِ من حولها تلك "المطلّقة" التي حوّلت بياضَ حياتهم الناصِع إلى سواد!

عللٌ تشوبُ المنطق وتُثير السّخرية والبعض مقتنعٌ بها ويوافقها، وفي النهاية تكون أنت الضّحية.. وصدقاً قد تَعجب لنفسك أنك قد تمِيل أحياناً لتلك الجاهلية العَوجاء، ولا عجبَ من ذلك فهذا تراكمٌ لخطايا المجتمع الطويلة.

دمعة فرحٍ على خدّ ذلك الأب المتعب؛ لأن وليّ عهده المُنتظر قد شرّف الدنيا بخروجه، وبمرورِ السّنين الطويلة دمعةٌ قاسية يُحاصرها ألمٌ عميق تسقطُ من قلبه؛ لأن ذلك المغفّل قد فعلَ ما فعل ولم يُبالي، والأب في نظر من حوله هو السبب طبعاً..

طفلٌ صغير يقع فريسةً لحيوانٍ بشري حقير ويُغتصب، تضيقُ به الدنيا فيبكي وحيداً في غرفته الباردة تحت سريرهِ الدّافئ ويحضُن دُميته المُهترئة، في حِين أنّ "والديْه" مشغولُون بدنياهم المُزيّفة عن دُنياهم الحقيقية، وحين يُفضح أمره لاحقاً يكون هو السبب، لأنّ أباه قد عنّفه يوماً ما على خطأٍ طبيعي لعمره الصّغير، لأنّ أمه رأتهُ يوماً يبكي فقالت له اذهب إلى غرفتك وأكمِل دموعَ التماسيح عند دُميتك، لم يُخبرهم بأنّ ذلك الوغدْ قد هدّده بقتل أمه وأبيه إذا أخبرهم بما يَفعل به، وهو صغيرٌ لا يعقل.. أن تخطئ كطفل فيحاسبوك كبالغ راشد..!

"أنا أظنّ السّوء بالشخص من البداية إلى النهاية حتى يثبتَ العكس" – قالها أكاديمي في جامعة مرمُوقة لِيرمي طلابه بشِباكه المتحجّرة المتكبّر-..
أن تُعامل كنكرة، كلّما وقعَت مصيبة ينظرون إليك باتّهـام مريض؛ لأنك من تلك الأرض التي اندعلت فيها الحرب وتآمرَ عليها العالم وهذا بسببك طبعا..

أن تكون طيب النيّة أفعالك صادقة، حَسنُ الظنّ، تسعى لنشرِ الحب والابتسامة حَولك، فترى من حولك يُنكرون عليك لأنك يجب أن تكون كنُسخهم المريضة بحجة أنّ الطيب الصادق لا يعيش في دنياهم ويجب أن تنحَرف عن المسار حتى تكون مثلهم..

عللٌ تشوبُ المنطق وتُثير السّخرية والبعض مقتنعٌ بها ويوافقها، وفي النهاية تكون أنت الضّحية..
وصدقاً قد تَعجب لنفسك أنك قد تمِيل أحياناً لتلك الجاهلية العَوجاء، ولا عجبَ من ذلك فهذا تراكمٌ لخطايا المجتمع الطويلة، فعندما يُترك أصحاب الفطرِ المُنتكسة والمريضة دون رادعٍ طُلقاء في المجتمع، وتُترك الممارسات الظالمة تحت ذريعةِ عاداتٍ وتقاليد غابرة خاطئة، عندما لا نُبالي بتربية أطفالنا ونقصّر في حقهم، عندما ننظر إلى النتيجة فقط ونتجاهل الجذور والأسباب، فلا تستغرب أبداً أن يترك ذلك أثراً على حياتك وحياة من حولك يوما، ولو كنت مستقيماً لكن لا تفعل شيء ضدّ تلك التظلّمات، وهكذا مع مرورِ الزمن تنقلبُ الآية فيُصبح الصّواب خطأً والخطأ صواباً في ذلك المستنقع، ويصعدُ من لا يستحق وتجد أنّ المفاهيم والمسلّمات قد تبدّلت وحُرّفت حتى نصل إلى "أنْ قالوا أخرجُوهم من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهّرون".

يخطئ أحدنا ونشعر بندمهِ الحزين، فما أجملَ أن نكون سبباً في ستر خطاياه، خطايا العبد الضّعيف، فكيف بمن لم يُخطئ أصلاً، ونظراتُ من حوله كانت "جاهلية" ضدّه، فالسترُ هنا أولى في غالب تلك المواقف؛ لنتجنّب ظلماً قد يقع، ونسعى لتبرئة الضحيّة دون شخصَنة القضية، حتى ينقشِع الغبار وتُبصر القلوب الحقيقة، فالمجتمع مازال يُعاني من ظلم هذه التشوّهات العميقة.. والكثير منهم أصبح يُضحّي بنفسه؛ لأجل القضية التي ظُلم فيها لكي يستيقظ المجتمع الجاهل لهذه للمصيبة المدفونة، وعلينا أن نستغلّ تلك التضحيات في توظيفها ضدّ هذه الآفات وتوعية من حولنا، ولا نسمحَ باستخدامها ضد الضّحايا أنفسِهم.. في سبيل براءةِ الضحية المظلومة، في سبيل براءة مجتمعٍ يسعى لنبذ الظلم ونشر القيم النبيلة العادلة.. في سبيل حياة.. انتهى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.