شعار قسم مدونات

دولتي الفاضلة

blogs - street

حلمتُ منذُ الصّغر أن أكون إنساناً عادلاً في دولةُ تدّعو إلى الحبُ والتسامح والحريةُ والكرامة، دولةُ قوية لا تميّز بين عرقٍ أو لون أو دينٍ أو مذّهب، دولةُ تكون علماً بين الأمم، مُنتجة لا مُستهلك، تسخر كل مواردها لخدمة وسعادة الإنسان، دولةُ قَوية تَمتلكُ الإرادة والإنسان فيها عادلاً في سلوكه ومدافعاً عن العدالة همّهُ الأولُ "دَوّلتُه" كيف يَسمو وكيفَ تكونُ رايتهُ تلوحُ في الأفقُ؟ وَحُلمه أن يرى دَوّلته سالمةٌ منعمةٌ وغانمةٌ مكرمةٌ.

في هذه الدّولة شعبُ خُلقَ حّرٌ يرفضُ العيش بين الحفر، لديهِ حقوقُ وعليهِ واجبات، ثقافتهُ أصيلةُ مرنة وفقَ معطياتُ العصّر، يوازي بين العقلُ والقّلبُ والحكمةُ والشجاعةُ والاعّتدال، يقدم مصلحةُ الدولة على المصلحة الفردية أو الحزبية أو الطائفية، يبحثُ عن الحقيقة الهادفة في طلاسم الظلام لِينيرَ بهذه الحقيقّة دولةُ الحقّ والفضيلة.
 

دولةُ أساسُها العدالةُ الاجتِماعية وتكافؤ الفرص ووضعُ الرجلُ المناسب في المكان المناسب، فلا يمكن أن تتطور هذه الدّولة إلا بصلاح أبنائها الذينَ لا تَسيطر ملذّات الحياة وشهواتها على عقولهم، إنهّم الغارقونَ في الفهمِ والتأمُل، ولا يمكن أن تتطور هذه الدولة إلا بتعاون كل طبقات المجتمع تعاوناً في الخير للكل.
 

الدولة ثقافة وهوية وطنية يجب أن تُغرس في عُقولِ مُواطِنيها والوصولِ بِهُم إلى إشباعِ حاجاتُهم لكي يَنهَضوا بِها إلى السّمو والرُقّي.

وإن التربيةُ الصَحيحةُ في كافة مؤسساتُ الدّولة كالجامعات والمعاهد والكليات والمدارس والنوادي ودور العبادة …إلخ هي الوسيلةُ التي من خِلالُها يتم نشرُ ثقافة المواطن الصالح الفاضل وهذه التربية التي يجب أن تُركز على تَكيّف المُواطن الصالح مع دوّلته، وأن يكون هذا التكّيف في كافة جوانب شخصيتهُ وخصوصاً الأخلاقية، فالأخلاقُ هي عِمادُ الحضارات والمجتمعات الإنسانية عبرَ مرِ التاريخ البشري.
 

والدولةُ الفاضلة لا يُمكن أن ترى النور إلا إذا جمعّت بين العلمِ والعمّل أو بين النظرية والتطبيق، وهذا يعتبر الأساسُ الأول من أُسس التَطور، فَكّبرى حَضاراتُ العالم كالحّضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية والإسلامية قد جَمعت بينَ الجّانبين النظري والعملي ووازنت بينهما.
 

وعلينا نحنُ اعتماد فلسفة شاملة لكافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والتربوية والصناعية …إلخ، ولن نجد أفضل من الفلسفةُ الإسلاميةُ كنظام شامل لكافة ميادين الحياة مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الفلسفة صالحةُ لكلِ زمانٍ ومكان لأن مصدَرُها مِن عِندِ الله سُبحانهُ وتعالى فهي هبة الله للمؤمنين في هذه الأرض، وهي تقدم مَعايير إن تم اعتِمادُها وَتطبيقُها على أرضُ الواقِع سَتتحقق لدينا الدولةُ الفاضلة.
 

فكثيرُ منَ الدول النامية أخذت على عاتِقها التطورُ والازدِهارُ فَوضَعت لِنفسها مَنظومةً وطنيةً شاملةً تَستَند الى فلسفةٍ واضِحةِ المَعالِمِ، حُدِدَت فيها الرؤية المستقبلية بناء على أسس عِلمية وَطنية في ضَوء حاجاتِ الدوّلة وَمُشكِلاتُها وَتَطلُعاتِها المُستَقبلية، ومن ثم بَدأت بِتنفيذ هذه الرؤية على أرضُ الواقِع دون استثناء أو تهميش لأي طبقة أو فئة أو حزب أو فصيل أو فرد من أفراد الدولة تحت شعار "العمل كَفريق وَطّني شامِل"، وكانت الحاجة والإرادة الراسخة كفيلة بأن تحتل هذه الدول مكانة متقدمة في المحافل الدولية.
 

وهُنا يجب الحديث على أن الدولة التي تُرغِم مُواطّنيها على الوفاء بواجِباتهم نحوها، دونَ أن تكترث لحقوقهم البَسيطة وتوفير مقومات الحياةُ الكريمةُ، وإتاحة الفرصة لَهُم لتولي المناصِب العليا فيها دون استثناء لأحد؛ هي في الحقيقة مؤسسة استبدادية غير شَرعية ولا يُمكن اعتبارُها دولة، فالدولة ثقافة وهوية وطنية يجب أن تُغرس في عُقولِ مُواطِنيها والوصولِ بِهُم إلى إشباعِ حاجاتُهم لكي يَنهَضوا بِها إلى السّمو والرُقّي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.