شعار قسم مدونات

بين السؤال والجواب

blogs - quran
نعيش في مرحلة تاريخية تقتضي منّا جميعا سؤال ذواتنا حول موقعنا في سيرورة التاريخ، ذلك أن كل المؤشرات والعلامات تدل قطعا أن الحال غير الحال، وأن المسلمين في مفترق طرق أن يكونوا أو لا يكونوا، ولا بد لنا من أن نكون لمصلحتنا ولمصلحة العالم أولا وأخيرا.

قد يبدو هذا القول مبالغا فيه، في أن مصلحة العالم تقتضي ريادة المسلمين مجددا، لكن للمتأمل أن يرى أن المسلم لن يسعى إلا للسلام مادام دينه دين السلام، لكن يجب التفريق بين المنتسب لهذا الدين بياء النسبة وبين المتصف به الذي يصير اشتقاق للإسلام، له كل خصوصياته حتى يصير تشخيصا للدين.

كان لا بد من هذا الاستطراد الخفيف لبيان أن الريادة إنما بالاتصاف، لا بالانتساب. لقد حاولنا دوما أن نقدم جوابا عن حالنا، لكن لم نلتفت يوما إلى جوهر الحال لنطرح السؤال! والحال أن الاتصاف يستدعي منّا جميعا إعادة بناء التصورات والتمثلات على "الوزان" الصحيح القويم التي حادت عن وجهتها بفعل العادة.

تقتضي الفترة التاريخية، إذن، إعادة تصحيح التصورات لبناء المفاهيم على "الوزان" القويم، وإلا فإن المنطق السليم يقول إننا سنظل أعداء لأنفسنا بأسنا في بعض.

وهنا يكون الأمر ذاتيا يحتاج فقط لقليل من التأمل والتدبر، ولكن أيضا بفعل توجيه إعلامي مضلل ساهم في تشويه المفاهيم الأصيلة في بناء الشخصية المسلمة و تقديم مفاهيم أخرى بديلة، وهنا يكون الأمر خارجا عن مسألة الذات، ولذلك يتوجب ـ على الأقل ـ تقديم إشارات بين الفينة والأخرى ـ لإيقاظ الضمير المفهومي والتمثلي لدى الفرد المسلم.

وما دام التصور عماد الفعل، فإن كل تغيير في التصور هو تغيير في الفعل تبعا عليه، وما دام الأمر كذلك، فإنه بناء عليه، يجب طرح السؤال التالي: هل ما يُقدم لنا اليوم من مفاهيم هي مفاهيم أصيلة أو بتعبير بسيط، هل هي مفاهيم صحيحة؟

سيساعدنا هذا السؤال في معرفة العدو الحقيقي، ونذكر في مساق العدو قولا "لأمبرتو إيكو" في شأن العدو، إذ يقول إن وجود العدو مهم ليس لتحديد هويتنا فحسب؛ وإنما ـ أيضا ـ ليوفر لنا عائقا نقيس إزاءه قيمنا، ونثبت ـ أثناء محاولتنا تخطيه ـ قيمتنا.

لقد حوّر الإعلام مفاهيمنا الخاصة حتى اعتقدنا فعلا أننا نحن فعل عدو لهم وللجميع، ولكن في المقابل، كنا فعلا أعداء لذواتنا، لكن يبدو أن تعدينا على أنفسنا ليس بذلك الشر، شريطة أن ندرك الأمر وندرك أننا لسنا أعداء لأحد وأن العديد من المفاهيم التي تروج إعلاميا كالإسلام الوسطي هي تحوير مختلق، وإلا فإن المنطق يستوجب أن يكون هناك فعلا في الإسلام بما هو نصوص ـ أن يكون هناك ـ إسلام متطرف!

والحال أن الإسلام إسلام، لا يحتمل التطرف (وهذا المصطلح يندرج أيضا في خانة التحريفات المفهومية، على أن نتطرق له لاحقا) وإنما الوسطية في التدين أي في فهم النصوص، أي في المستقبل، لا في الرسالة نفسها.

عود على بدء، تقتضي الفترة التاريخية، إذن، إعادة تصحيح التصورات لبناء المفاهيم على "الوزان" القويم، وإلا فإن المنطق السليم يقول إننا سنظل أعداء لأنفسنا بأسنا في بعض. لقد أتى علينا حين من الدهر صرنا جسدا مريضا فجسدا متهالكا، فجسدا محتضرا، بل صرنا جسد ميتا، يحتاج إلى إحياء.

وأحسب أن المحاولة الجادة للبناء، دون اعتبار لمحاولات الهدم الخارجية، تتطلب منّا تصحيح تمثلنا لمن نحن فعلا! وما موقعنا في سيرورة التاريخ؟ وغربلة المفاهيم الموروثة عن عصور الانحطاط و بناء المفاهيم القويمة لأنها كفيلة بإقامة الشخصية المسلمة حقا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.