شعار قسم مدونات

الغرب المتوحش

blogs - الغرب المتوحش

الحقيقة التي ذكرها لنا التاريخ ورفضنا تصديقها بسبب بروباغاندا الآلة الإعلامية الغربية في رسم صورة الغرب في أذهاننا هي أن الغرب صاحب مصالح، غير متسامح، يكفر بمبادئه، صاحب عقيدة قتالية إذا تعلق الأمر بالإسلام.. كمثال من بين مئات الأمثلة التي نشهدها يومياً، مجلس الاتحاد الأوروبي يمنع صحيفة دايلي صباح ⁦التركية من التداول بدون أي تبرير قانوني منطقي والسبب في منعها أنها صحيفة غير مُوجهة تنشر الحقيقة التي ترفض أوروبا خروجها للناس، الآلة الإعلامية الغربية ومن يوجهها لا يريد أن يتحرر الإعلام من التبعية المطلقة في نشر المعلومة وتوجيهها بحيث تُنقل الصورة كما هي دون تلوينها بما يخدم مصالح الغرب.. ‏أليست هذه مصادرة لحرية التعبير والتضييق على صحيفة لأنها لا تتماشى مع الرواية الرسمية؟! 

يوم بدأت صحفهم بالإساءة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وإهانة أكثر من مليار شخص والكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى دينه طلبناهم وتوسلنا إليهم وقلنا لهم هذه الرسومات تُسيء إلينا كمسلمين وتسيء إلى ثوابتنا ومقدساتنا قالوا أنهم لا سلطة لهم على الصحافة وأن هذه حرية التعبير وهي مكفولة ولأي أحد الحق في قول ما يريد فإذا تعلق الأمر بالإسلام كفر الغرب بحرية التعبير وبالرأي الآخر ولجؤوا إلى الإقصاء والمنع والكذب والتدليس.. 

النظام العالمي الحالي يرى في النظام الإسلامي خطراً عليه ويسعى بكل قواه لشيطنته والقضاء عليه بل النظام العالمي أشعل كل الأرض حروبا لإبادته

الأدوات التي صنعت العقلية الغربية من إعلام وتعليم ومجتمع وساسة كلها أدوات متحاملة على الإسلام كمثال من بين مئات الأمثلة، التاريخ الذي يُدرس في المقررات التعليمية في المدارس الإسبانية والذي يصنع عقليات الإسبان عموماً هو تاريخ متحامل على المسلمين تاريخ كاذب حرّف فترة الأندلس ونسبها إلى غيرنا، تاريخ يصفنا ونحن من صنعنا النهضة الأوروبية بالتخلف والوحشية، تاريخ دفن مآذن قرطبة ومجالس غرناطة واختراعات إشبيلية وتمدن طليطلة وصوّرنا كوحوش.

مثال آخر القنوات الإعلامية الفرنسية التي تساهم في تشكيل المفاهيم عند الفرنسيين كلها قنوات مُوجهة تضخ آلاف الرسائل اليومية المعادية للإسلام ويكفيك أن تقلب قنواتهم لتعلم حجم العمل المبذول في تنميط العقول وصناعة القطيع ..  فالغرب إن لم نقل تورعاً أنه متوحش فأقل ما يُقال فيه أنه ضحية لنظام عالمي فاسد يصنع عقلياته بعناية شديدة حتى تكون عقليات يُتحكم فيها وتُوجه كيف يشاء النظام العالمي المعادي تماماً للنظام الإسلامي، النظام العالمي الحالي يرى في النظام الإسلامي خطراً عليه ويسعى بكل قواه لشيطنته والقضاء عليه بل النظام العالمي أشعل كل الأرض حروبا لإبادته وتأملوا في حجم النيران المشتعلة في بلداننا مع أننا ومعتقداتنا أبعد الناس عن الوحشية والإرهاب والتخلف لكن الغرب يريد زوراً ربطنا بها لخدمة مصالحه الأيديولوجية والاقتصادية بشكل جيد ..

أكيد أن هذه الممارسات أحدثت خللاً كبيراً في العقلية الغربية الحالية كيف تدمع أعين الأوروبيين لبطريق في القطب الشمالي خوفاً عليه من الانقراض ولا تدمع لآلاف الأطفال في سوريا يتم إبادتهم يوميا، بل أن معظم الغرب يعتقد اعتقادا جازما أن بشار رئيس منتخب وصل ديموقراطيا للحكم وأن الثوار جماعات إرهابية تريد الفوضى وهذا من شدة تأثير الإعلام الخادم للإمبريالية على العقلية الغربية التي لم تتحرر بعد من رقّ الإعلام المُوجه .. 

كيف لا يتحرك المجتمع الغربي للوقوف أمام حكوماتهم التي تستنزف خيرات العالم الثالث وتترك الملايين من الأفارقة عرضة للمجاعة والمذابح الجماعية ولبطون الحيتان وهم يحاولون ملاحقة ثرواتهم إلى أوروبا ويتحرك المجتمع الغربي للفيلة والضباع في أدغال إفريقيا خوفاً عليهم من الصيادين ؟!

إننا أمام أزمة حقيقية أثرت في السلوك الإنساني .. أزمة جعلت الشيطان ملاكاً وجعلت المَلَكَ شيطانا وحرفت المفاهيم واغتالت التاريخ ودمرت الحضارة وأشعلت العالم حروباً.. أزمة حقيقية سببها تخلف النخب العادلة عن قيادة العالم.

كيف أن عالماً متحضراً يُؤْمِن بحقوق الإنسان وبالتداول السلمي على السلطة وبالتحاكم للصناديق استطاع بأدواته تبرير سِجن رئيس منتخب في دولة وتنصيب انقلابي دموي على رأسها دون أن تنتفض شعوب هذا العالم الغربي المتحضر !؟ هل بعد هذا العبث والفوضى والانحطاط لازلتم تصدقون ما تضخه الآلة الإعلامية الغربية عن الغرب !؟

قبل أن أختم .. أغلق عينيك استرخ قليلاً خذ نفسا عميقاً.. تأمل مليوني إنسان محاصر في غزة بفلسطين لمدة عشر سنوات بلا دواء بلا وفرة غذاء.. تحاصرهم أبشع جيوش الأرض قتلة الأطفال.. مليوني إنسان لم يجرموا جرماً قط.. فيهم أطفال صغار ونساء ومرضى.. لو كانت هذه الأعداد من البشر قططاً أو كلابا لتحرك الغرب بحكوماته وشعوبه ومنظماته وإعلامه لكن الأمر يتعلق فقط بمسلمين فلتمت الأرواح ولتغتصب الطفولة ولتهن المرأة ولتستشري الأمراض ولتُبد الإنسانية .

إننا أمام أزمة حقيقية أثرت في السلوك الإنساني .. أزمة جعلت الشيطان ملاكاً وجعلت المَلَكَ شيطانا وحرفت المفاهيم واغتالت التاريخ ودمرت الحضارة وأشعلت العالم حروباً.. أزمة حقيقية سببها تخلف النخب العادلة عن قيادة العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.