شعار قسم مدونات

اتحدت ضمائرهم.. فهلكوا جميعًا

blogs- قرأن
"لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق" آل عمران: 181، لما نزلت "إن تقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعفه لكم" تقول بعض اليهود على الله قولاً عظيمًا؛ فقالوا إن رب محمد يطلب منا القرض، ولا يستقرض إلا الفقير من الغني، فالله فقير ونحن أغنياء!!

لقد كانت تلك مقولة شنيعة تهجموا فيها على ذات الله، سبحانه وتعالى، وكان لا بد أن يأتيهم الوعيد من عنده؛ فأعلمهم، جل في علاه، أن مثل هذا القول لا يمر هكذا مرور الكرام، وإنما هو مكتوب قد سجل في صحائفهم، وأنه سيحاسبهم عليه، وسيذيقهم عذاب الحريق عقابًا لهم.

ولكن هناك أمر آخر شد انتباهي وهو أن الله قد كتب أيضًا مع هذا السب الشنيع قتلهم الأنبياء؛ فهذا الأمر على شناعته وشدته إلا أنه لم يكن من أفعال يهود المدينة الذين كانوا على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنما كان هذا فعل أسلافهم الذين قتلوا الأنبياء منذ مئات السنين التي سبقت عهد رسول الله.

من رضي بالكفر، وعاونه فقد باء به، وأصبح من أهله فهو منهم وهم منه، وسيلقي ما ينالهم من عذاب يوم يحل عليهم جميعًا، فالرضى بالقتل قتل.

وعلى سبيل المشابهة أيضًا لمثل هذا الموقف قصة نبي الله لوط، عليه السلام، إذ جاءه أمر ربه بأن يخرج من قريته مع أهله من المؤمنين ليلاً؛ فالعذاب واقع بهم لا محالة وإنه لمدرك الجميع من خلفه، وكان من بين هؤلاء امرأته. والغريب كل الغرابة هنا هو أنه ما دخل امرأة نوح، عليه السلام، بهذا أًصلاً؟! لقد كان القوم يفعلون ما يفعلون فيما بينهم، ولا دخل للنساء في ذلك! 

وفي قصة ثمود شبه آخر عظيم؛ فلما أتاهم نبي الله صالح، عليه السلام، بناقة عظيمة عجيبة كمعجزة وحجة بينة عليهم، وأمرهم بحفظها ورعايتها وألا يمسوها بسوء، وحذرهم عاقبة الهلاك إن هم فعلوا ذلك، فقرر تسعة نفر من قومه مفسدون في الأرض لا يصلحون أبدا… قرروا أن يذبحوها! فما مرت ثلاثة أيام على فعلتهم الكارثية تلك حتى حلت بهم الصيحة فأهلكتهم جميعا. وهذا أمر غريب أخر وهو أن الله قد أهلك قوم صالح كلهم بصنيع تسعة منهم فقط!

"اتحاد الضمائر مع اختلاف المعاد طريقة عربية في المحامد والمذام التي تناط بالقبائل" الطاهر بن عاشور. يبدو أنه المسألة قد بدت من الوضوح الأن ما لم يعد يستعصي عليك فهمه عزيزي القارئ… إنه الرضا بالمعصية والدعاية لها، ومحبة أهلها ونصرتهم وولايتهم. 

فهؤلاء بنو إسرائيل، وعلى الرغم من مرور مئات السنين على قتل أسلافهم للأنبياء، وعلى الرغم من أنهم قد اندمجوا مع العرب، وتاجروا معهم، ودخلوا معهم في حروبهم، بل وظاهروا العرب على بعضهم البعض، إلا أن كل هذا لم يغير من طبيعتهم شيئا؛ فقد جبلوا على ما كان عليه أسلافهم، فكانوا يتفاخرون بصنيعهم، ويرضون به، فكتب الله ذلك عليهم، وتأذن أنه معاقبهم وكأنهم قد قتلوا الأنبياء مع أسلافهم!

قرر تسعة نفر من قوم ثمود مفسدون في الأرض لا يصلحون أبدا… قرروا أن يذبحوا الناقة! فما مرت ثلاثة أيام على فعلتهم الكارثية تلك حتى حلت بهم الصيحة فأهلكتهم جميعا.

وتلك امرأة لوط، وأين هي من صنيع قومه؟! فهي امرأة ولا دخل لها أصلا بما كانوا يفعلون من الفاحشة فيما بينهم، إلا أنها قد والتهم، ورضيت لهم صنيعهم، وكانت تنقل أخبار زوجها إليهم فما كان إلا أن قدر الله أنها معهم من الغابرين. 

أما قصة التسعة فهي حكاية خاصة، إنها الديموقراطية في أزهي صورها يا سادة، إنها حكم الشعب للشعب بالشعب… نعم لقد اجتمع الملأ من سادة ثمود وكبرائهم، وأجمعوا أمرهم على اختيار شقي منهم، فتعاطى خمرًا فسكر فذبح الناقة وتم الأمر. تسعة من الشعب، هم سادة الشعب نفسه، أجمعوا أمرهم برضا الشعب فقتلوا الناقة فهلك الشعب جميعه! إنه الرضا بالكفر، والفسوق، والعصيان.

إن سنن الله ثابتة محددة، تسير ولا تلوي على أحد، قوانين لا تعرف المحاباة ولا المجاملة؛ فمن رضي بالكفر، وعاونه فقد باء به، وأصبح من أهله فهو منهم وهم منه، وسيلقي ما ينالهم من عذاب يوم يحل عليهم جميعًا؛ فالرضا بالقتل كان قتلاً وكتب على أصحابهم قتلاً، والرضا بالدماء الزكية المهراقة كان مشاركة فيها، وإن كان من شعب كامل. فهل من معتبر اليوم؟! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.